حكم الصفرة والكدرة في حيض المرأة:
في حديثنا هنا سنتوقف عند أمرٍ مهم يخصُ الحيض أو ما يتعلق بالحيض: وهي الصفةُ والدرة وهل هما حيضٌ أم لا ؟ نقول: إنّ الصفرة سائل أصفر، كالماء الذي يكون من الجرح ويخرج من منطقة الرحم. وأمّا الكدرة: وهو عبارة عن ماء ممزوج بحمرةٍ، فيكون لونه متكدراً، وبئر الماء إذا حرك فيه التراب، فإنّ ماءهُ تُكدر. والصفرة والكدرة ليستا دمين، بل هما ماءين، فيختلفان عن الحيض الذي هو دم.
إنّ الأنثى قبل أن تأتي فترةُ حيضها قد تنزل منها إفرازات على شكلِ صفرةٍ أو كدرة، ويحدث ذلك كثير في بعض النساء، فما حكم هذه الإفرازات؟ وهل هي حيض أم ليست بحيض، وخاصة إذا نزلت في اليوم المعتاد نزول الحيض فيه؟ اختلف العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال: فقوم قالوا: هما حيض مطلقاً. فبعضٌ منهم قالوا أنّهما ليست بحيضٍ على الإطلاق.
وأن البعض الآخر منهم قالوا أن في هذه المسألةِ تفصيلاً، مثل أن تكون هذه الأمور في زمن الحيض أو ليس في فترة الحيض وجاء ذلك على أقوال منها:
القول الأول: إنّ الذين قالوا ليس بحيض على الإطلاق هم: ابن حزم الظاهري، وهو قول للشافعية؛ فقالو ،الحيض هو الدم فقط. ودليلهم على ذلك هو بحديث أم عطية الذي أخرجه البخاري والنسائي وابن ماجة: “كنا لا نعد الصفرة والكدرة شيئاً”.
إنّ هذا لم ترفعه أم عطية إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، أي أنّها لم تقل: قال النبي صلى الله عليه وسلم، وليس فيه قالت أم عطية تبلغ به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن هذا الحديث يصح أن يكون مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنّ الحديث إذا لم يكن محلاً للاجتهاد، أو أضيف إلى زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فالقاعدة عند المحدثين أنّه يكون مرفوعاً، وأم عطية هنا أضافت الحديث إلى زمن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنها قالت: “كنا لا نعد”، لأنهنّ كن يسألن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويسألن بعده عائشة، فالذي أعلمها ألا تعد هذا من الحيض هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، لذا فـ ابن حزم قال: هذه سنة، وإن كانت في الظاهر موقوفة لكن لها حكم الرفع.
واستدلوا أيضاً بقول الله تعالى: “وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى” البقرة:222. لذلك سُمي الدم حيضاً، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “دم الحيض أسود يعرف” ولم يقل: فيه صفرة أو كدرة، بل سماه دماً، فالحيض لا يكون إلا دماً.
القول الثاني: وهو ما صرح به الشافعية والمالكية على أن الصفرة والكدرة تُعتبر حيضاً على الإطلاق، فيكون هناك قسمان: الأول على أنه ليس حيضاً، أمّا الآخر على أنّه حيضٌ مطلقاً. والدليل على الذين قالوا بأنّه حيض مطلقاً: بأنّ الصفرة والكدرة إذا خرجت من الرحم ولها مواصفات الحيض أخذت حكمه؛ لأنّ القاعدة عند العلماء: أن الشبيه يأخذ حكم الشبيه، وهي قاعدة فقهية تسمّى قاعدة: الحكم بالمجاورة، أي: أنّ المجاور يأخذ حكم مجاوره، كالماء المجاور وغيره. فالصفرة والكدرة مجاورتان للحيض فيأخذان حكمه، وهذا دليل نظري قوي.
القول الثالث: وفي هذا القول تفصيل وهو قول بعض الشافعية، وهو الأرجح والصحيح الذي قال به ابن تيمية، وهو أنّ الصُفرة والكدرة فيها عدة حالات منها:
الحالة الأولى: وهي ما ذهب جمهور العلماء إلى أن الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض؛ لأنّ كل مجاور يأخذ حكم مجاوره، خاصة وأن هذه الإفرازات نزلت بسبب نزول الدم فتأخذ حكمه، ولازم الشيء كالشيء، فنزول الصفرة والكدرة بعد نزول الدم ملازم للدم فيأخذ حكمه، فإذا نزل الدم وانقطع، وأرخى الرّحم الإفرازات في زمن الحيض، فالصفرة والكدرة تكون حيضاً.
والدليلُ على هذا القول هو أنّ النساء قد كان يبعثن إلى عائشة رضي الله عنها بالكرسف وموجودٌ فيها الصفرة والكدرة، فتقول: لا تعجلنّ حتى تتزين القصة البيضاء، وكان هذا له حكم الرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه أنّ المرأة ما زالت حائضاً وإن نزل منها صفرة أو كدرة حتى يروا القصة البيضاء.
الحالة الثانية: وهي إنّ ظاهرة الكدرة والصفرة بعد التطهر، لا يُعتبران من الحيض فبعد رؤية المرأة للقصة البيضاء، أو الجفاف الذي يدل على تطهر المرأة، ونزل عليها إفرازات من صفرة وكدرة فلا تُحسب أنّها حيض، وإنّما تغسل المحل وتتوضأ وتصلي.
الحالة الثالثة: وفي هذه الحالة نقول بأن نزول الكدرة والصفرة قبل نزول دم في يوم العادة لا تعتبر حيض، إنّما يُنظف المحل وتتوضأ وتصلي وتصوم؛ لأنّها من الطهر.
ودليلُ ذلك هو أن أم عطية قالت: “كنا لا نُعد الصفرة والكدرة شيئاً” وهذا على الإطلاق وهو أيضاً دليلٌ على قوله: بأنّ الصفرة والكدرة لسن من الحيض إطلاقاً، ولكن هذه الرواية مقيدة برواية أخرى عن أم عطية وهي قالت: “كنّا لا نُعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئاً” والشاهد هو قولها: بعد الطهر.