حكم القنوت في الوتر في غير رمضان:
لقد اختلف العلماء في حكم القنوت في الوتر في غير رمضان على قولين وهما:
القول الأول: يُشرع القنوت في الوتر في غير رمضان. وهو قول عامة أهل من الحنفية والشافعية والحنابلة. وقال به عمر وعلي وابن مسعود وأنس بن مالك والحسن وعطاء، والنخعي وإسحاق وأبي ثور، وقتادة ومعمر، والأوزاعي.
أدلة القول الأول: أدلة مشروعية القنوت في الوتر في غير رمضان.
– حديث الحسن بن علي، قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقوالهن في قنوت الوتر. وجه الاستدلال: أن النبي عليه الصلاة والسلام علّم الحسن القنوت في الوتر، ولو كان غير مشروع لما كان لتعليمه فائدة، وهو عام في رمضان وغيره. ونوقش: بأن الحديث صحيح. وأجيب بأن الحديث صحيح.
– حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في آخر وتره: اللهم إني أعوذ برضاك. وجه الاستدلال: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقنت في الوتر، ولا يفعل النبي عليه الصلاة والسلام إلا ما كان مشروعاً، وهو عام في رمضان وغيره.
– حديث ابن مسعود: أن النبي عليه الصلاة والسلام قنت في وتره. ووجه الاستدلال أن النبي عليه والصلاة والسلام كان يقنتُ في الوتر، ولو لم يكن مشروعاً لما فعله النبي عليه الصلاة والسلام، وهو عام في رمضان وغيره. ونوقش: بأن الحديث ضعيف. وأجيب: بأن الحديث حسن الإسناد.
– حديث ابن عباس، قال: كان النبي عليه الصلاة والسلام إذا قام يتهجد من الليل قال: “اللهم لك الحمد أنت نور السموات والأرض. ووجه الاستدلال: أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يقنتُ في الوتر، ولو لم يكن مشروعاً لما فعله، وهو عام في رمضان وغيره. ونُوقش: بأنهُ كان يقوله أول ما يقوم إلى الصلاة، وليس في قنوت الوتر. وأجيب: بأنه ليس في الحديث ما يدلُ على أنهُ خاص بأول الصلاة.
– حديث أبي بن كعب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقنت في الوتر. ووجه الاستدلال: أن النبي عليه الصلاة والسلام قنت في الوتر، ولو لم يكن مشروعاً لما فعلهُ وهو عام في رمضان وغيره.
– أن أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام كانوا يقنتون في الوتر. ووجه الاستدلال: هو أن قنوت أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام في الوتر من غير نكيرِ إجماع على مشروعيته، وهو عام في رمضان وغيره.
القول الثاني: لا يُشرع القنوت في الوتر في غير رمضان، وقال به مالك. وهو قول أبي هريرة وابن عمر وعطاء في قول وطاووس، وابن شهاب الزهري.
أدلة القول الثاني: إن أدلة القول بأنه لا يُشرع القنوت في الوتر في غير رمضان ومن أدلة هذا هو :
– حديث أنس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنتُ في النصف من رمضان إلى آخره. ووجه الاستدلال: هو أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يكن يقنت إلا في النصف من رمضان إلى آخره، فلا يُشرع في غيره. ونوقش من ثلاثة أوجه وهما: الأول: أن قنوت النبي عليه الصلاة والسلام في النصف من رمضان إلى آخره لا ينفي مشروعية القنوت في غير رمضان. والثاني: أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يقنتُ في غير رمضان، كما سبق بيان ذلك في أدلة القول الأول. والثالث: وهو أن الحديث ضعيف.
– أن عمر وعلي وأبي بن كعب: كانوا لا يفتنون إلا في النصف الآخر من رمضان. ووجه الاستدلال: هو أن قنوت هؤلاء في النصف الآخر من رمضان يُفيد أنه لا يُشرع القنوت في غير هذا الوقت. ونوقش من وجهين: الأول: أنه جاء عنهم وعن غيرهم القُنوت في النصفالآخر وغيره. والثاني: هو أن فعل الصحابة لا يُعارض به السنة.
–أنّ الناس في عهد عمر كانوا يلعنون الكفرةَ في النصف الآخر من رمضان. ووجه الاستدلال: هو أنّ القنوت في النصف الآخر من رمضان يُفيد أنه لا يشرع ذلك في غير هذا الوقت. ونوقش من ثلاثة أوجه: الأول: أنه قد جاء عن عمر وغيره القنوت في النصف الآخرة وغيره، والثاني: أن لعن الكفرة في النصف الآخر من رمضان لا ينفي القنوت في الوتر في غيره. والثالث: أن فعل الناس لا يُعارض به السنة.
أما الترجيح في هذا القول والله أعلم هو القول بشرعية القُنوت في غير رمضان كما يشرع القنوت في القنوت في رمضان، وذلك لقوة أدلته ووروود المناقشة على أدلة القول الثاني.