ما هو حكم تحديد النسل بسبب الفقر مع ذكر الأدلة؟

اقرأ في هذا المقال


حكم تحديد النسل بسبب الفقر مع ذكر الأدلة:

لقد ذمّ الله أهلُ الجاهلية الذين كانوا يقتلون أطفالهم من الفقر، وأنّهُ نهى عن فعلهم لهذا الأمر، فقال تعالى: “وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم مِّنْ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْالأنعام:151. وأنّ الله تعالى قد أمرَ عبادهِ بالتوكلِ عليه في سائر الأمور، فهو الكافي لمن توكل عليه، فقال تعالى أيضاً: “وَعَلَى اللَّـهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ المائدة:23. وقال تعالى أيضاً: “وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ فَهُوَ حَسْبُهُالطلاق:3.

فيجب على الزوج المؤمن بربه أن يتوكل على مولاهُ في حصول رزقهِ ورزقِ أطفاله، وأن لا يمنعهُ الخوف من الفقر في طلب الأولاد، والتسبب في أن يُنجب الأولاد؛ لإنّ الله قد تكفّل برزق الجميع، وفي ترك الإنجاب خوفاً مِن الفقر: مشابهة لأهل الجاهليّة. ومن المتعارفُ عليه أنّ الاقتراض بالفائدة هو مِن الرّبا الذي توعّد الله أهله بأليم العقاب، وهو أحد السّبع الموبقات أي المهلكات قال عليه الصّلاة والسّلام: “اجتنبوا السّبع الموبقات” إلى قوله: وأكل الربا” صحيح البخاري. وقال عليه الصّلاة والسّلام: “لعنَ اللهُ آكلَ الربا وموكله” مسند أحمد.

وإن أكل الرّبا هو من أعظم أسباب الفقر وأمحقهُ للبركة، كما قال تعالى: “يَمْحَقُ اللَّـهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِالبقرة:276؛ وأظنّك لا تعرف حكم الاقتراض بالفائدة، فاستغفر الله مما مضى، ولا تعد، واصبر، وانتظر مِن ربّك الفرج، واطلب الرّزق مِن عنده، وتوكّل عليه، إنّ الله يحبّ المتوكلين. لقد جاءت مسألة تحديد النسل أو تنظيمه أو منع الحمل جاءت من منظورين وهما:

المنظور الأول:وهو قطع الحمل نهائياً، وهذا لا يجوز إلا إذا كان الحمل يسبب خطراً على حياة الأم، أو كانت الأم تعاني بسبب الحمل ما لا تطيقهُ ولا تستحملهُ من المشاق والآلام والمتاعبِ والمُعاناة الشديدة غير المعتادة عند جميع النساء.

أمّا المنظور الثاني:وهو ما يسمّى بالامتناع المؤقت، وذلك جائز إذا كان من أجل إعطاء الأم قسطاً من الراحة بين الحملين. أو إعطائها فرصة لتربية الأولاد والاهتمام بهم، ونحو ذلك من الأمور المعتبرة شرعا.

أمّا قطع الحمل أو تأخيره لأجل الرزق فإنّه لا يجوز عند عامة العلماء، لأنّ الله تعالى قد تكفل برزق الخلق جميعاً، يقول تعالى: “وَكَأَيِّن مِّن دَابَّةٍ لَّا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّـهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُالعنكبوت:60. وقد ذكرنا قرار المجمع الفقهي حول ما يدور في تحديد النسل. وقد سبق التحدث عنه فيما يجوز وما لا يجوز من تحديدٍ أو تنظيمٍ للنسل.

لقد روى عبد الرزاق في مصنفه وهو مرسل، والمُرسل من أقسام الضعيف، وصح معناه في أحاديث كثيرة منها: ما ورد عن معقلُ بن يسار قال: “جاء رجلٌ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال يا رسولَ اللهِ إنِّي أصبتُ امرأةً ذاتَ حسبٍ ومنصبٍ ومالٍ إلَّا أنَّها لا تلدُ أفأتزوَّجُها فنهاه ثمَّ أتاه الثَّانيةَ فقال له مثلَ ذلك ثمَّ أتاه الثَّالثةَ فقال له تزوَّجوا الودودَ الولودَ فإنِّي مُكاثرٌ بكم الأممَرواه أبو داود والنسائي. فالزواج هو سُنة الأنبياء، وقد حثّنا النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم عليه؛ لأنّ به تكثيراً لسواد المسلمين في الدُّنيا والآخرة.

ومعنى الحديث: هو الحث على الزواج طلباً للأولاد ومن أجلِ تكثير الأمّة الإسلامية، لتزداد قوة ويزداد أتباع النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة ويزادُ أحباب الله والمقربين إليه. ولقد قيل في عون المعبود في شرح سننُ أبي داود: “قال إِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الْأُمَمَ” أي أنّني مُفاخر بسببكم جميع الأمم من كثرة أتباعي“.

إنّ المُباهاة التي ذُكرت في الحديث الكريم، تحصل بالإكثار بالتناسل والتزواج في الأمّة، ولا يستطيع أي أحد أنّ يُنكر أن كثرة الأُمة هي سببٌ لعزتها وقوتها على عكس ما يتصوره أصحاب ظن السوء الذين يظنون أن كثرة الأمّة سبب لفقرها وجوعها، فإنّ الفقر والجوع الحاصلين ليسا بسبب كثرة النسل، ولكن بسبب البعد عن شرع الله وانتشار الفساد، واستيلاء المفسدين على أموال الأمّة، وسوء توزيع ثرواتها، وإلّا فالأمة الإسلامية من أغنى الأمم في كل شيء . وأمّا عن عدد الأولاد الذين حددهم الشرع، فلا يوجد نص يقتضي تحديد الأولاد أو يلزم بإنجاب عدد محدد، ففيها بيان الفترة المثالية بين كل مولودين.

وعلى جميع الأحوال، فإنّ العلة واحدة، ولا يجوز مثل ذلك، لأن الأرزاق تأتي من الله، وهي بيد الله، فتحديد النسل خوفاً من الفقر فيه إساءةً ظن العبد بربه، فيجب على الإنسان أن يتوكل على خالقهِ في جميع أمورهِ حتى في رزقه ورزق أطفاله: “فقال تعالى: “وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ” البقرة:216.


شارك المقالة: