حكم تنظيف الحواجب:
إنّ الزينة ليست محرمة في ذاتها، بل إنّها مطلوبة من كلا الجنسين، ولكن بضوابطها التي لا تخرجها عن حدود الشرع، فلو خرجت لكانت من المخالفات الشرعية، فإذا لم تكن الزينة بأمرٍ منكر ثبت تحريمهُ بالشريعة، بأن كانت حلالاً من غير إسرافٍ، فلا مانع منها، ومن المخالفات التي، يقع فيها بعض النساء، اتباعاً لموجة ثوران وطغيان الموضة والأزياء والتي انتشر عدواها في سائر المعمورة أصبح النساء مولعات بأضوائها، متابعات لقواعدها، حتى ولو كانت مخالفة للنصوص الشرعية، وفي هذا الخصوص نلقي الضوء على ما يسمّى بالنمص.
تعريف النمص:
يُعرف النمص في بعض الأحيان، بأنهُ نزع شعر الوجه والحاجبين، إلا أنّهُ يختص على القصد منه، بنزع شعر الحاجب بسبب غلبة فعله، فقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: والمتنمصة التي تطلب النماص، والنامصة التي تقوم بفعله، والنّماص هو إزالة شعر الوجه بالمنقاش، ويسمى المنقاش مناصاً لذلك، ويقال إنّ النماص يختص بإزالة شعر الحاجبين لترقيقهما وتسويتهما، قال أبو داود في السنن: “النامصة التي تنقصُ الحاجب حتى ترقُهُ”.
حكم النمص في الإسلام:
إنّ الأصل في نمص الحاجبين هو التحريم، وهو من الكبائر، ولا يجوز فعله أو أن نُعين على فعله بأي طريقةٍ كانت، وذلك للخبر والأدلة التي وردت في حرمة النمص وفيما يلي بعض الأدلة:
قال الله تعالى حكاية عن إبليس: “وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا” النساء: 119.
إذن فمن أمور تغيير خلق الله هو النمص، فالشيطان قطع على نفسهٍ عهداً بأنّ يُضل الناس عن الهدي، ومن بين أعماله في ذلك إن هو أمرهم بتغيير خلق الله تعالى، ومن ذلك النمص، فالنمص يُغير خلقة الإنسان الأصلية، وهو تغيير ثابتٌ ودائم لغير عذرٍ معتبر شرعاً؛ وذلك لأن الوجه ومنه الحواجب قد خلقه الله جلَّ وعلا في أحسن تقويم، والنامصة حينما تقوم بعمل النمص فهي بذلك تقع في مصايد الشيطان، ومكايده وتكون من المغيرات لخلق الله. وقد فسّر بعض المفسرين بأنّ المقصود بتغير خلق الله هنا في الآية هو الوشم والنمص والتفليج.
وقال القرطبي رحمه الله في الآية أيضاً ، أنه قالت طائفة، أي الإشارة بالتغيير إلى الوشم وما جرى مجراهُ من التصنعُ للحسن وهذا ما قال به ابن مسعود والحسن في تفسير القرطبي.
وعند قوله: وما جرى مجراه من التصنع للحسنِ فإنهُ يقصد ما في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: ” لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ ، وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ تَعَالَى . مَالِي لَا أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَهُوَ فِي كِتَابِ اللَّهِ “وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ” رواه البخاري. فيدلُ هذا الحديث على تغيير خلق الله. وقال العلامة الشيخ ابن جبرين عن النمص أنهُ ليس فيه جمال، لا بل أنّ فيه تغيرٌ لخلق الله وهو أحسن الخالقين، وقد لعنوا من فعل ذلك الأمر، وهو الذي يقتضي التحريم.
وجاء في معنى تغيير خلق الله قسمين وهما: فقال ابن عثيمين بأنّ التجميل يقسم إلى قسمين. الأول: وهو ثابتٌ ودائم، مثل الوشم وما يسمّى بالوشر، والنمص، وهو الذي حُرم في الإسلام، وهو من كبائر الذنوب؛ لأنّ النبي عليه الصلاة والسلام، لعن فاعلهُ. أمّا الأمر الثاني: وهو ما كان على وجهٍ لا يدوم ، ففي الشرع لا بأس به مثل التجميل، سواء كان بالكحل أو الورس ولكن بشرط أن لا يؤدي هذا إلى محظور شرعاً مثل أن يكون فيه تشبه بالنساء الكافرات، أو أن يكون ذلك من باب التبرج. فإنّ هذا يكون محرماً لغيره لا لذاته.
وأمّا من التجمل، فيأتي النمص وهو محرم شرعاً؛ لأنه من قسم تغيير خلق الله الدائم الثابت والذي دلّ عليه حديث ابن مسعود وهو ما يلي:
1- عن عبد الله رضي الله عنه قال: “لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُوتَشِمَاتِ ، وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ ، فَبَلَغَ ذَلِكَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي أَسَدٍ يُقَالُ لَهَا أُمُّ يَعْقُوب، فَجَاءَتْ فَقَالَت: إِنَّهُ بَلَغَنِي عَنْكَ أَنَّكَ لَعَنْتَ كَيْتَ وَكَيْت. فَقَال: وَمَا لِي أَلْعَن مَن لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَن هُوَ فِي كِتَابِ اللَّه. فَقَالَت: لَقَدْ قَرَأْتُ مَا بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ فَمَا وَجَدْتُ فِيهِ مَا تَقُول . قَالَ : لَئِنْ كُنْتِ قَرَأْتِيهِ لَقَدْ وَجَدْتِيهِ. أَمَا قَرَأْتِ “وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا” قَالَت: بَلَى. قَال: فَإِنَّهُ قَدْ نَهَى عَنْه. قَالَت: فَإِنِّي أَرَى أَهْلَكَ يَفْعَلُونَه. قَال: فَاذْهَبِي فَانْظُرِي فَذَهَبَتْ فَنَظَرَتْ ، فَلَمْ تَرَ مِنْ حَاجَتِهَا شَيْئًا. فَقَالَ : لَوْ كَانَتْ كَذَلِكَ مَا جَامَعْتُهَا”. رواه البخاري.
وقال ابن قدامة رحمه الله، جميع الخِصال التي ذكرت في الحديث مُحرمة؛ وذلك لأنّ النبي عليه الصلاة والسلام لعن فاعلها، ولا يصحُ أن نلعن فاعل المباح، ومن هذه الخصال جاء النمص، وهو محرم بل هو من الكبائر للعنِ الرسول صلى الله عليه وسلم وقد عرف الإمام الذهبي وغيره الكبيرة بأنها عبارةٌ عن كل معصية فيها حدٌّ في الدنيا أو وعيد في الآخرة سواء باللعن أو العذاب ونحو ذلك.
وقال ابن تيمية رحمهُ الله في عدة فتاوي: إنّ أقل الأقوال في هذه المسألة هو القول المأثور عن ابن عباس، وذكره أبو عبيد، وأحمد بن حنبل وغيرهما وهو أن الصغيرة ما دون الحدين حد الدنيا وحد الآخرة، وهو معنى قول من قال ما ليس فيها حد في الدنيا وهو معنى قول القائل كل ذنب ختم بلعنة أو غضب أو نار فهو من الكبائر، ومعنى قول القائل وليس فيها حد في الدنيا ولا وعيد في الآخرة” وهو معنى قول القائل: كل ذنبٍ خُتم بلعنةٍ، أو غضبٍ، أو نار فهو من الكبائر.
أمّا رأي ابن حجر عن وصل الشعر، ففيه شيءٌ من أحاديث النمص، ويوجد في هذه الأحاديث دليل لمن قال: بحرمة الوصل في الشعر وأيضاً الوشم والنمص، وذلك على الفاعل والمفعول بهِ، وهي حجةً على من حمل النهي فهي تأتي على التنزيه؛ لأنّ دلالة اللعن على التحريم من أقوى الدلالات، بل عندهم أنّه من علامات الكبيرة.
2- وللضرر الواقع عند إزالة شعر الحواجب، فقد قال الدكتور وهبة أحمد حسن: إن نزع شعر الحواجب بالوسائل المختلفة يعملُ على تنشيط الحلمات الجلدية ، فتتكاثر خلايا الجلد، وفي حالة توقف الإزالة ينمو شعر الحواجب بكثافةٍ ملحوظة، وإن كنا نلاحظ أنّ الحواجب الطبيعية تلائم الشعر والجبهة واستدارة الوجه. والضرر كما هو معلوم، بكل أنواعه محرم في الشريعة، فعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم، “لا ضرر ولا ضرار” صحيح ابن ماجه.