ما هو حكم حد الحرابة في الإسلام؟

اقرأ في هذا المقال


حكم حدّ الحرابة في الإسلام:

لقد عُرفت الحرابةُ بأنّها من المُنكرات العظيمة، وهي قطعُ الطريق والخروج على الناس بالسِلاح والآلات الحادة من أجل أخذ أموالهم وسلبها وأخذ الرهائن منهم، وهذا يُقال له الحرابة، ويُقالُ لهم المفسدون بالأرض.

ويتوجب على وليّ الأمر أن يُعاملهم بما ذكرهُ الله تعالى في كتابهِ في قوله تعالى: إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ – إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ” المائدة:33، 34.

والحرابةُ تُعرف بها من أكبر الذنوب، وأخطرُ المعاصي، وهي أيضاً من أعظم الجرائم التي تُهدّدُ حياة النّاس وأمنهم، لذلك فقد أقرت الشريعة الإسلامية فيها أشدُ العقوبات، تِبعاً لشروط وضوابط معينة أقرها العُلماء، ونُفصلُ من ذلك ما يلي:

1- إنّ الحرابة عُرفت بقطع الطريق: وهي اعتداء بعض الأشخاص بنوعٍ من أنواع الأسلحة من أجل إخافتهم، وقطعِ طريقهم، أو الاعتداءِ عليهم في أنفسهم، أو إعراضهم، أو على أموالهم، سواء كان في الصحراء أو في البيوت. فقال الإمام الشافعي: القوم يعرضون بالسلاح للقومِ حتى يَغصبوهم مجاهرةً. وقال ابن النجارِ أيضاً: الذين يتعرضون للأشخاص بالسلاح، ولم يقصد السلاح هو المسدس، لا بل يقصد أشياء أخرى مثل العصا أو الحجر أو ما شابه ذلك، فيغتصبون مالاً محترماً مجاهرةً.

وقالَ ابنُ حزم: إنّ الحرابة هي كلّ من حاربَ الناس المارّة في الطرقات، وأخاف السبيل بقتلِ نفسٍ أو نهبِ مالهم أو لانتهاك فرجٍ أو غير ذلك، يسمى محارب. وقال القرطبي: وتكون إخافة الطريق بإظهار السّلاح بهدف الغلبةِ على الفروج، وهذا أفحش المُحاربة، وأقبحُ من أخذ الأموال، وذكر ذلك في قول الله تعالى: “وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا” المائدة:33.

فنستنتجُ أنّ حكم الحرابة، هو قطع الطريق سواء كان بالاعتداء على الناس، وإفزاعهم وتخويفهم بالسلاح، وسواء كان ذلك  أفراد أو جماعات.

2- والحرابةُ تعتبر من أبشع الجرائم ضرراً على الناس سواء كانوا فرد أو جماعة، وهي من أشدّ الجرائم التي تستهدفُ عِدة أشخاصٍ بأعيانهم. فالمُحارب مثلاً يقصدُ إيقاع الجريمة على شكلٍ كان، ممّا يترتبُ على ذلك انتشارُ الرُعب عند بعض عامة الناس، فيُزعزع الأمن وينشر الخوف، وتتعطل المصالح، وتختلُ معيشة الناس، لأجل ذلك قبّح الله تعالى حالُ المُحاربين، وغلّظ العقوبة عليهم، ووصفها بأنّها أشدُ من الجرائم الأخرى. وقد برأ النبي عليه الصلاة والسلام منهم، واجتمعوا المسلمون على أنّ هذا الأمر هو أقبح أمرٍ وأسوء فعلٍ يبعثه المحاربون.

ويتوجب في الشريعة الإسلامية أن يُقيموا الحدّ على المحاربين، وهو واجبٌ بدلالة الكتاب واتفاق علماء الأمة الإسلامية على هذا الأمر، فقال تعالى: “إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ” المائدة:33.

وقد دلّ في الصحيحين: “بأنّ نفراً من عُرينة جاؤوا إلى المدينة، وأعلنوا الإسلام، ثم غادروا برعُاةِ الإبل، فقتلوهم، وسرقوا الإبل، فبلغ ذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام، فأرسل في آثارهم، فأدركوا فجيء بهم، فُقطعت أيديهم وأرجلهم، ثم نبذهم في الشمسِ حتى ماتوا، فقال أبو قلابة: وأيّ شيءٍ أشدّ ممّا صنع هؤلاء؟ ارتدّوا عن الإسلام، وقتلوا وسرقوا”.

لقد زاد أبو داود، قال أنس رضي الله عنه: أنزل الله عزّ وجل: “إنّما جزاءُ الذين يحاربون اللهَ ورسولَه”. وفي حديث ابن عمر وأبي موسى رضي الله عنهم، عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: “من حملَ علينا السِلاح فليس منّا”.

3- طلبُ المُحاربين ومحاكمتهم على وفقِ شرع الله من فروض الكفاياتِ التي يقوم بها الحاكم والسلطان، وإذا عَجز الإمام عنهم، لزم الناس أن يساعدوه ويؤازروه في ذلك. وفي حالة عدم وجود السلطان المسؤول، يتعلق الواجب بمن يقوم على مصالح الناس من الهيئات الشرعية والقضائية، وإنّ رفض أن يخضعوا لحكم الشرع، وامتنعوا بقوتهم وشوكتهم وجب قِتالهم، وأنّ قِتالهم يُعتبر من الجهاد في سبيل الله.

4- لقد بيّن الله تعالى عقوبة المُحاربين في القرآن الكريم: “إنّما جزاءُ الذينَ يُحاربون اللهَ ورَسولَه ويَسعونَ في الأرضِ فَسادًا أن يُقَتَّلُوا أوْ يُصَلَّبًوا أوْ تُقَطَّعَ أَيديهِم وأَرجُلُهم مِنْ خِلافٍ أوْ يُنْفَوا مِن الأرْضِ” المائدة: 33.

5- إنّ حدّ الحرابة يُقام على جميع المحاربين الذين بلغوا من الرجال والنساء، ويكون ذلك باعتدائهم على المعصومين من المُسلمين أو الذمّيين أو المُستأمنين، وأنّه لا فرق بين من باشرَ القتل والسرقة، والترويع بنفسهِ أو كان مُعيناً له يحميهِ ويُناصره.

وقد ذكر الله تعالى عِدّة عقوبات شرعها للمحاربين ومنها الدالة على التنويع والتقسيم لا التي تدلُ على التخيير عند أغلبية العُلماء، ومنها: القتلُ والصلب وقطع الأيدي والنفي من الأرض.

إنّ الحرابةِ هي ما يتعلّقُ بحفظِ الضّرورياتِ التي لا إقامة لحياةِ النّاسِ إلا بها مِن النّفوسِ والأعراضِ والأموالِ، ولأنّها ترتبطُ بحقوقِ العبادِ فإنها مِن الحدودِ التي ينبغي تعجيلُها وإقامتُها؛ من أجل أن تسير أحوال النّاسِ، وانتظام حياتهم، وتتحقّق مصالِحُهم، إلّا إذا ترتّب على إقامة الحدّ مفسدةٌ أعظمُ مِن تركِه.


شارك المقالة: