حكم قطيعة الرحم وصلته في الإسلام:
أما قطيعة الرحم لغة: يُقال انقطعت الثمرةُ أي أنّها جُددت، وقطعت صديقي قطيعةً، أي أنَّني أبعدتهُ عن حقهِ وهجرتهُ، والقطعُ هو مصدر قطع وهو الهجر وعدم الاتصال مع منع الخير. أمّا قطع الرحم في الاصطلاح: هو هجر القريب وترك وصلهُ والإحسانِ وإليه.
صلةُ الرحمِ في اللغة: يُقال: أوصلتُ شيئاً ما بغيرهِ وصلاً، أي اتصل به، ووصلتهُ وصلاً، وصلةً، وهو ضد الهجر هجرتهُ، وواصلتهُ مواصلةً ووصِالاً، وهو مصدر لوصل الشيء مع شيءٍ آخر، أي ضمّهُ إليه وجمعهُ معه.
وصلةُ الأرحامِ هي من أعظم الواجبات وأفضلُ الطاعات لله تعالى، وقطعها هو من أعظم الذنوب وأخطر الآفاتِ بدليل الكتاب والسنة الصحيحة الصريحة وتأتي على النحو التالي:
– لقد أمر الله عز وجل بصلة الأرحام، فقال: “وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا” النساء:36.
وقال تعالى أيضاً: “وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا” الإسراء:26. وقال تعالى أيضاً : “فَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ” الروم:38.
وقال تعالى: “وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ” الأنفال:75. وقد وضح الدلالة هنا ابن كثير، بأنّ المعنى لقوله تعالى: “في كتاب الله” بمعنى في حكم الله، وأنّها ليست خاصةً بالأرحام وأنها ليس تخص الأرحام الذين يذكرهم علماء الفرائض الذين لا فرض لهم. وليسوا من العصبية، بل إنّ الحق أنّ الآية هي عامةً وتشتمل على جميع القربات كما نص عليه ابن عباس رضي الله عنهم.
– صلة الأرحام يزيدُ الله بها في العمر، ويُبسط في الرزق، ويصلُ من وصلها، وهي من أسباب المحبة بين الأهل والأقارب، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنّه قال: “من أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره فليُصل رحمه”.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “من سرهُ أن يُبسط له في رزقهِ، وأن ينسأ له في أثرهِ، فليُصل رحمه” رواه البخاري.
وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: “إنّه من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظه من خير الدنيا والآخرة، وصلة الرحم، وحسن الخلق وحسن الجوار، يعمران الديار، ويزيدان في الأعمال” مسند الإمام أحمد.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: “تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم، فإن صلة الرحم محبة في الأهل، مثراةٌ في المال، منساةٌ في الأثر” رواه الترمذي.
– صلة الأرحام من أول الأمور المهمة التي دعا إليها النبي عليه الصلاة والسلام في أول بعثته، ففي حديث سفيان ابن : أن هرقل عظيم الروم قال له حينما سأله عن رسالة النبي عليه الصلاة والسلام: “ماذا يأمركم؟ قال: أبو سفيان: قلت: يقول: “اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً واتركوا ما يقول آباؤكم، ويأمرنا بالصلاة والصدق، والعفاف والصلة” رواه البخاري.
– إنّ صلة الأرحام من أسباب دخول الجنة، فعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رجلاً قال: يا رسول الله! أخبرني بعملٍ يدخلني الجنة، فقال عليه الصلاة والسلام: “تعبد الله لا تُشرك به شيئاً، وتُقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصلُ الرحم” رواه البخاري.
عَنْ أَبِي هرَيرَةَ قَال: قال رَسُولُ اللَّهِ صَلى اللَّهم عَلَيهِ وَسَلَّمَ: “إِنَّ اللَّهَ خلق الخلق حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْهُمْ قَامَتِ الرَّحِمُ فَقَالَت: هَذَا مَقَامُ العَائِذِ مِنَ القَطِيعَةِ؟ قَالَ: نَعم أَمَا تَرْضَينَ أَن أَصِل مَن وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَت: بَلَى، قَالَ: فَذَاكِ لَكِ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيهِ وَسَلَّمَ: اقْرَءُوا إِن شِئْتُم: فَهَل عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرحَامَكُم أُولَئِك الَّذِين لَعَنَهُم اللَّه فَأَصَمَّهُم وَأَعمَى أَبْصَارَهُم أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا” رواه مسلم.
إنّ صلةُ الرحم تُعتبر من العادات الاجتماعية التي فرضتها علينا الشريعة الإسلامية والقرآن الكريم، والتي تعني عدم القطيعة بين الأهل الأقارب، والحث على زيارتهم، وصلةُ الرحم تكون بالزيارات وتفقد أحوالهم والاهتمام بهم ومساعدتهم ودلالتهم على الله تعالى.