يبدأ يوم النحر في أول أيام عيد الأضحى المبارك، الموافق العاشر من شهر ذي الحجّة، أمّا الأيام الثلاثة الأخرى فتُسمّى أيّامَ التّشريق، وتتميّز أيّام عيد الأضحى عموماً ويوم النّحر خاصّةً؛ بأنّ فيه تتِمّةً لأعمال الحجّ وشعائره؛ ففي يوم النّحر تُنحَر الأضاحي، والقرابينن لوجه الله تعالى؛ فالحاجّ يذبح فداءً بدلاً من ما وقع به من أخطاء في حجّه هَدْياً.
تعريف يوم النَّحر ولماذا سمي كذلك:
يوم النّحر: يعني الذّبح؛ وذبَحَ الكبشَ من نَحرِه، وهو اليوم العاشر من شهر ذي الحجّة، وقد سُمّي بذلك لما يجري فيه من نحر الهَدْي والأضاحي، وتوزيعها على الفقراء والمساكين، وهو يومٌ يُتمّم فيه الحاجّ أعمال الحجّ بعد الانتهاء من وقفة عرفة عن طريق القيام ببعض الأعمال. قال صلّى الله عليه وسلّم:“إنَّ أعظَمَ الأيَّامِ عندَ اللَّهِ يومُ النَّحرِ ثمَّ يومُ القُرِّ، قالَ عيسى: قالَ ثورٌ: وَهوَ اليومُ الثَّاني”.
ولِما رُوِي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم من حديث عبد الله بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:”وَقَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ النَّحْرِ بَيْنَ الْجَمَرَاتِ فِي الْحَجَّةِ الَّتِي حَجَّ، وَقَالَ: هَذَا يَوْمُ الْحَجِّ الأَكْبَرِ”.
أعمال الحاجّ يوم النحر:
يتميّز يوم النّحرِعن غيره من أيّام عيد الأضحى المُبارَك التي تُسمّى أيّام التشريق بالقيام بعدَّت أمورٍ والتي ينبغي على الحاجّ القيام بها، ومن هذه الأعمال ما يأتي:
- المبيت في مزدلفة: ينبغي على الحاجّ بعد الإنتِهاء من الوُقوف بعَرفة أن يتوجّه إلى مزدلفة والبيات فيها، ويكون ذلك ليلة يوم النّحر، ويجوز للحاجّ أن يتحرّك منها بعد انتصاف الليل إن كان عاجِزاً عن المبيت، أو كانت لديه أعمالٌ تتعلّق بالحجّ.
وفي صحيح البخاري من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال:”جمع النبي صلى الله عليه وسلّم بين المغرب والعشاء بِجَمعٍ ولم يُسَبِّح بينهما شيئاً ولا على إثر كل واحدة منهما”.
- رمي الجمرات: ويرمي فيه الحاجّ سبع جمرات، أولها العقبة الأولى في المكان المُخصَّص للرّمي، وذلك يوم النّحر، ويبدأ وقت رمي الجمرات من شروق شمس يوم النّحر، ويستمر إلى زوال الشمس، فإن لم يَستطع رمي الجمرات قبل زوال يوم النّحر، فيجوز له أن يَرميها في وَقتٍ آخر من اليوم نفسه، حتّى غروب الشمس، فإن عجِزعن ذلك لمرضٍ معين أو لأزمة سيرٍ أو غير ذلك فيجوز له أنّ يرميها أوّل أيام التّشريق.
- طواف الإفاضة: قال سُبحانه: “ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ”.الحج:29. ويبدأ وقت طواف الإفاضة بعد الإنتهاء من المبيت في مزدلفة فوراً، ويجوز أن يقع في يوم النّحر وهو الغالب ويجوز للحاجّ أن يؤخّره عن يوم النّحر.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت :“حَجَجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم فأفضنا يومَ النحرِ”(متفق عليه).
- السّعي بين الصّفا والمروة: فبعد طواف الإفاضة يسعى الحاجّ بين الصّفا والمروة إن كان مُتمتّعاً بالحجّ ويسمَّى حجُّ التمتع، فإن كان الحاجّ مفرداً أو قارناً فيكون سعيه بعد طواف القدوم عند دخول الكعبة مباشرةً
لا يوم النَّحر. - حلق الشعر أو تقصيره: فبعد أن يُتمّ الحاجّ أركان الحجّ، يجوز له أنْ يتحلَّل من إحرامه سواءً بحلق شعرهِ أو تقصيره، ويقع ذلك في يوم النّحر أو بعده.
ماهو فضل يوم النحر:
ليوم النّحر فضلٌ كبيرٌ؛ لما شُرع فيه من مناسك وعبادات، ولما يحفل به من طاعات وقربات، ومن فضل يوم النحر أنَّه يطلق عليه“يوم الحج الأكبر“فهو المراد في قول الله تعالى:“وَأَذَانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ” التوبة: 3.
فقد ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما: “أَنَّ رسول اللهِ صلَّى الله عَلَيه وآله وسَلَّم وقف يوم النَّحرِ بَيْنَ الجمَرات فِي الحَجَّةِ الَّتِي حَجَّ، فَقَالَ: أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ قَالُوا: يَوْمُ النَّحْرِ، قَالَ: هَذَا يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَر” أخرجه أبو داود في “سننه”.
وعَن عَلِيٍ رضي الله عنه قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ عَنْ يَوْمِ الحَجِّ الأَكْبَرِ، فَقَالَ: «يَوْمُ النَّحْرِ» أخرجه الترمذي في “سُننه”.
جاء في”حاشية الجمل على شرح المنهج”وَقَدِ اختَلَفَ العلَمَاءُ فِي يومِ الحجِّ الأكبرِ، والصَّحِيح أَنَّه هو أَي يوم النَّحرِ؛ لِأَنَّ مُعظَم أَعمَالِ النُسُك يَقَعُ فيه، وَقِيلَ: هوَ يوم عَرَفَةَ، وَالصوَاب الْأَوَّلُ، وَإِنَّمَا قِيلَ: الْحَجُّ الأَكبَر مِن أَجلِ قَولِ النَّاسِ فِي العمرَةِ هِيَ الحَج الأَصْغَرُ”.
وقال الإمام ابن قدامة في “المغني” : يَوم الحَجِّ الْأَكبَرِ يَوْمُ النَّحرِ؛ فَإِنَّ النَّبِي صلَّى الله عَلَيه وآله وَسلَّمَ قَال فِي خطبَتِهِ يومَ النَّحرِ:”هَذَا يوم الْحَجِّ الأكبَرِ” رواه البخَارِي، وسمِّي بِذَلِكَ لِكَثرَةِ أَفعَالِ الحجِّ فِيهِ؛ مِن الوقوفِ بِالمَشعَرِ، وَالدَّفعِ مِنه إلَى مِنًى، والرَّميِ، وَالنحرِ، وَالحَلقِ، وَطَوَافِ الإِفَاضَةِ، وَالرجوعِ إلَى مِنى لِيبِيت بِها، ولَيسَ فِي غَيرِهِ مثْلُه، وهو مَع ذَلِكَ يوم عِيد، ويوم يَحِلُّ فِيهِ مِن إحرامِ الحجِّ.
لهذا اليوم فضائل عديدة: فهو يوم الحج الأكبر. وهو أفضل أيام العام لحديث: “إن أعظم الأيام عند الله تبارك و تعالى يوم النَّحر، ثم يوم القرّ، وهو بذلك أفضل من عيد الفطر، ولكونه يجتمع فيه الصلاة والنَّحر، وهما أفضل من الصلاة والصَّدقة”.
وقد شُرع في يوم النَّحر من الأعمال العظيمة كالصلاة، والتكبير، ونحر الهدي، والأضاحي، وبعض من مناسك الحج ما يجعله موسماً مباركاً فيه تقرُّباً إلى الله تعالى وطلب مرضاته، لا كما هو حال الكثير ممَّن جعله يوم لهو ٍولعبٍ فحسب، إن لم يجعله يوم أشرّ وبطرٌ، فنستعيذ بالله من هؤلاء.