ما هي أسباب العدة؟

اقرأ في هذا المقال


أسباب العدّة:

تتضح أساب العدة في الطلاق، والفسخ، والخلع، واللّعان، والزنا، والزواج الفاسد، الوطء بشبهةٍ، وارتداد الزوج، ووفاة الزوج.

الطلاق:

أجمع العلماء على أنّ المطلقة قبل المساس لا عدة لها؛ وذلك لقول الله تعالى:” يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا” الأحزاب:49. ولأن العدة تجب لبراءة الرحم، وقد تيقناً هنا تحقق هذه البراءة، ومثل الطلاق الفرقة الحاصلة في الحياة كالفسخ لرضاع، أو عيب، أو عتق، أو لعان، أو اختلاف دين قبل الدخول. وأجمعوا على وجوب العدة من الطلاق بعد الدخول من الزواج الصحيح للأدلة الكثيرة في ذلك، والتي سنستعرضها في محالها من هذا الفصل.

الفسخ:

اختلف الفقهاء في العدة من الفرقة الحاصلة بسبب الفسخ على الأقوال التالية:

1. إن كل فرقة بين زوجين فعدتها عدة الطلاق، سواء كانت بخلع أو لعان أو رضاع، أو فسخ بعيب، أو إعسار،
أو إعتاق، أو اختلاف دين، أو غيره، وهو قول أكثر العلماء كما ذكر ابن قدامة.
2. لا عدة في الفسخ إلا في المعتقة التي تختار فراق زوجها، وهو قول الظاهرية، ومن الأدلة على ذلك.  قال الله تعالى:“يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ”.الممتحنة:10 . فلم يوجب تعالى عليهن عدة في انفساخ نكاحهن من أزواجهن الكفار بإسلامهن.
– عن ابن عباس رضي الله عنه قال: كانوا إذا هاجرت امرأة من دار الحرب لم تخطب حتى تحيض وتطهر، فإذا طهرت حل لها النكاح، وهو يدل على أن هذا فعل الصحابة رضي الله عنهم  جملة فلا يجوز خلافه.
– لا يجوز قياس الفسخ على الطلاق لأنهما مختلفان؛ لأن الطلاق لا يكون إلا بلفظ المطلق واختياره، والفسخ يقع بغير لفظ الزوج أحب أم كره.
والأرجح من هذه الأقوال هو القول الثاني، بشرط معرفة براءة الرحم بأي وسيلة تدلُ على ذلك دلالة جازمة، ولأنّ العدف من العدّة في أكثر من مواضعها، هو ترك فرصةٍ للتراجع عن الطلاق، وإكمال الحياة الزوجية، واستبراء الرحم أيضاً.
والهدف الأول يدعو إلى ترجيح طول المدة حتى لو علمت براءة الرحم، وذلك بعكس المقصد الثاني، وفي هذه الحالة ينتفي المقصد الأول لفساد الزواج، فلم يبق إلا المقصد الثاني، ولا معنى لتطويل العدة بعد معرفة براءة الرحم من غير سبب داع، بل في ذلك إيذاء شديد للمرأة وحبس لها عن الزواج من غير فائدة.

الخُلع:

اختلف الفقهاء في المختلعة، هل عليها عدةُ ثلاثة قروءٍ أو تُستبرأ بحيضة، وضح ذلك الأمر على قولين وهما:

الأول: إنّ عدّة المختلعة هي نفسها عدّةُ المطلقة، وهذا روايةً عن سعيد بن المُسيب، وسالم بن عبد الله، سلمان بن يسار وغيرهم، واستدلو على ذلك:
–  قوله تعالى:” وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ”.البقرة:228.
– أن الخلع فرقة بين الزوجين في الحياة بعد الدخول، فكانت العدة ثلاثة قروء كعدة المطلقة.
الثاني: أنّ عدة المطلقة، تُستبرئ بحيضة، وهو قول عثمان وابن عباس وابن عمر في آخر روايتيه، وهو قول إسحاق وابن المنذر وغيرهم، وأيضاً هي رواية عن أحمد، والدليل على ذلك:
– أنه لو كان الخُلع طلاقاً لما جاز في الحيض، لأنّ الله حرم طلاق الحائضِ، وقد سلّم المخالفون أو أكثرهم على أنه يجوز في الحيض.
– أنّ الحاجة في بعضُ الأحيان داعية في الحيض، والله تعالى إنما حرم المرأة بعد الطلقة الثالثة، عقوبة للرجل لئلا يطلق لغير حاجة، لأن الأصل في الطلاق الحذر، وإنما أبيح منه قدر الحاجة والحاجة تندفع بثلاث مرات، ولهذا أبيحت الهجرة ثلاثاً والإحداد لغير موت الزوج ثلاثاً، ومقام المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثاً، والأصل في الهجرة ومقام المهاجر بمكة التحريم.

اللعان:

اختلف الفقهاء في مسألة اللعان على رأيين:

الرأي الأول: أنها كعدة المطلقة، لأنه يكون فيها مفارقة للحياة، فشابهت المطلقة عند جمهور الفقهاء.

الرأي الثاني: أنه فترة العدة تكون بمقدار تسعة أشهر، وهو قول ابن عباس رضي الله عنه.

والأرجح في هذه المسألة، بأنه ما دام اللعان يعتبر فسخاً، فالأرحج فيه الاكتفاء باستبراء الرحم، ويدل عليه قول ابن عباس رضي الله عنه، لأن تحديد تسعة أشهر يقصد منه التأكد التام ببراءة الرحم، ويمكن معرفة ذلك دون الحاجة لهذا التحديد بأي وسيلة جازمة.

الزنى:

اختلف الفقهاء في عدة الزانية على بعض أراء:

  1. أنّ الزانية ليس لها عدة، سواء كانت حاملاً أو لا. وهذا ما روي عن أبي بكر وعمر وعلي رضي الله عنهم، وهو قول الشافعية والحنابلة والثوري ودليلهم على ذلك هو: قول الرسول صلى الله عليه وسلم:” الولد للفراش وللعاهر الحجر”. إن العدة شُرعت لحفظ النسب، ولأن ثبوت النسب لا يتعلق بالزنا، لذلك لا يوجد عدّة في الزنا.
  2. إنّ المزني بها تعتد كعدة المطلقة، وهذا ما قد روي عن الحسن والنخعي، وهو القول المعتمد لدى مذهب المالكي والحنبلي، ودليلهم على ذلك. بأن الزنى هو وطءٌ يقتضي شغل الرحم، فوجبت العدة منه. إنها حرة فوجب استبراؤها بعدة كاملة قياساً على الموطوءة بشبهة. إن المزني بها إذا تزوجت قبل الاعتداد، فقد اشتبه بولد الزوج أنه من الزنا، فلا يجوز هنا حفظ النسب في هذه الحالة.
  3. أن الزانية تُستبرأ بحيضةٍ واحدة، وهذا قول المالكية والحنابلة، والدليل على ذلك. قول الرسول صلى الله عليه وسلم: “لا توطأ حامل حتى تضع حملها، ولا غير ذات حمل حتى تحيضُ حيضة”.

الزواج الفاسد:

بيّن أكثر الفقهاء على وجوب العدّة بالدخول في الزواج الفاسد المختلف فيه بين المذاهب، مثل النكاح بدون شهود أو وليّ، وذلك بسبب الفرقة الكائنة بتفريق القاضي. واتفقوا على وجوب العدة في النكاح المجمع على فساده بالوطء، يعني بالدخول، مثل نكاح المعتدة، وزوجة الغير، والمحارم إذا كانت هناك شبهة تسقط الحد، أي بأنه لا يعلم بالحرمة. واختلفوا فيما لو كان عنده علم بالحرمة على رأيين:

الأول: وجوب عدة الإستبراء؛ لأنها وجبت للتعرف على براءة الرحم، لا لكي نقضي على حق النكاح، أي أنه لا يوجد حق للنكاح الفاسد مهما كان نوعه، وهذا رأي المالكية والحنبلية وبعض الأحناف.

الثاني: عدم وجوب العدة مع العلم بالحُرمة. وهذا رأي الشافعية وبعض الحنفية، وذلك لعدم وجود الشبهة المسقطة للحدّ، ولعدم ثبوت النسب. فنرجح هنا من هذه الآراء ” رأي الاكتفاء باستبراء الرحم لعدم إمكانية الرجعة، لا من أجل تطويل العدة من غير حاجة إلى ذلك، ولا يوجد في الأدلة ما يوجب العدة على المرأة في الزواج الفاسد أو الباطل.

الوطء بشبهة:

وضح الفقهاء على أنّ عدة الموطوءة بشبهة، هي التي زُفت إلى غير زوجها، والتي توجد ليلاً على فراشه إذا ادّعى الاشتباه، مثل عدة المطلقة، واتفقوا على أنه لا يجب عليها عدة وفاة، قال السرخسي:”إذا أدخل على رجل غير امرأته فدخل بها فعلى الزوج مهر التي دخل بها؛ لأنه دخل بها بشبهة النكاح بخبر المخبر أنها امرأته، وخبر الواحد في المعاملات حجة، فيصير شبهة في إسقاط الحدّ، فإذا سقط الحدّ وجب المهر، وعليها العدة ويثبت نسب ولدها منه، ولا تتقي في عدتها ما تتقي المعتدة، وعلى ذلك الأمر قضى علي رضي الله عنه في الوطء بالشبهة.

ارتداد الزوج:

اتفق الفقهاء على وجوب عدة زوجة المرتد بعد الدخول أو ما في حكمه بسبب التفريق بينهما، فإن جمعها الإسلام في العدة دام النكاح، وإلا فالفرقة من الردة وعدتها تكون بالأشهر، أو بالقروء، أو بالوضع كعدة المطلقة، أما لو مات المرتد أو قتل أحد وامرأته في العدة، فقد اختلف الفقهاء على قولين:

القول الأول: أنه لا يجب عليها إلا عدة الطلاق، وهو قول المالكية والشافعية وأبي يوسف من الحنفية؛ لأن الزوجية قد بطلت بالردة، وعدة الوفاة لا تجب إلا على الزوجات، قال الكاساني موجها قول أبي يوسف:”أن الشرع إنما أوجب عدة الوفاة على الزوجات وقد بطلت الزوجية بالطلاق البائن إلا أنا بقيناها في حق الإرث خاصة لتهمة الفرار ممّن ادعى بقاءها في حق وجوب عدة الوفاة فعليه الدليل.

القول الثاني: أن المرتد إذا مات أو قتل وهي في العدة، وورثته قياساً على طلاق الفار، فإنه يجب عليها عدة الوفاة: أربعة أشهر وعشر فيها ثلاث حيض، حتى إنها لو لم تر في مدة الأربعة أشهر والعشر ثلاث حيض تستكمل بعد ذلك وهو قول أبي حنيفة ومحمد، واستدلوا على ذلك بما يلي:
– أن كل معتدة ورثت تجب عليها عدة  الوفاة.
– أن النكاح لما بقي في حق الإرث، فلأن يبقى في حق وجوب العدة أولى؛ لأن العدّة يحتاط في إيجابها، فكان قيام النكاح من وجه كافياً لوجوب العدة احتياطاً فيجب عليها الاعتداد أربعة أشهر وعشراً فيها ثلاث حيض.






شارك المقالة: