أساليب دعوة النبي هود عليه السلام لقومه:
إن من الأساليب التي اتبعها النبي هود عليه السلام في دعوة قومه هي ما يلي:
- الدعوة بحكمة وتلطفٍ ولين:
إن الحكمة في الدعوة هي من أجمل الأساليب التي يستخدمها الداعية إلى الله عزّ وجل في دعوته، فقد أوصى الله تعالى أنبيائه بالدعوة إلى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة. فقال تعالى: “ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ” النحل:125.
ذكر الزمخشري في تفسير الآية الكريمة: أي ادعُ إلى “سبيل ربك” الحق إلى الإسلام بالحكمة بالمقالة المحكمة الصحيحة، وهي الدليل الواضح للحق المزيل للشبهة. “الموعظة الحسنة” وهي التي لا يخفي عليهم أنك تُناصحهم بها، وتقصد ما ينفعهم فيها، ويجوز أن يريد القرآن، أي ادعهم بالكتاب الذي هو حكمة وموعظةً حسنه. “وجادلهم بالتي هي أحسن” أي بالطريقة التي هي أحسنُ طرق المجادلة في الرفق واللين من غير فظاظة ولا تعنيف إنّ ربك هو أعلم بهم، فمن كان فيه خير كفاه الوعظ القليل والنصيحة اليسيرة، ومن لا خير فيه عجزت عن الحيل، وكأنك تضرب منه من حديد بارد.
فالقارئُ لقصةِ هود عليه السلام لا يرى هوداً إنسناً وقوراً رزيناً يُزين الكلام قبل إلقائه، ويتجلى الإخلاص وحُسن النية على قسمات وجهه. فهو لا يقابل الشرّ بمثله، بل لا يُفارقه اللين مع قومه أبداً، ويتلطف معهم بذكر نعم الله عليهم ويُرغبهم في الإيمان، بالحكمة والرزانةِ والتأني. - الدعوة بلا أجر:
إنّ الداعية إلى الله تعالى لا ينتظرُ أجراً من أحد من هذه الدنيا، فأجره على الله جل جلاله ويجب على الداعية أن يزهد فيما في أيدي الناس. فعن سهل بن سعد الساعدي، قال: أتى النبي صلّى الله عليه وسلم رجلٌ فقال: يا رسول الله دُلني على عملٍ إذا أنا عملتهُ أحبني الله وأحبني الناس؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: “ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما في أيدي الناس يُحبك الناس” سنن ابن ماجه. فالزُهد هو من صفات الداعية إلى الله تعالى، فلذلك أن أولى الناس بهذه الصفة هم قادة الأمم الأنبياء والمرسلين عليهم السلام، فهذا نبي الله هود عليه السلام جاء يدعو قومه إلى عبادة الله وحده لا شريك له، فقال لهم زاهداً فيما عندهم.
وقد فسر السيد قطب الآية الكريمة قائلاً: ويُبادر النبي هود من أجل أن يوضح لقومه أن دعوته دعوةً خالصة ونصيحةً محضة، فليس له من ورائها هدف، وما يطلب على النصح والهداية أجراً، إنما أجره على الله تعالى الذي خلقهُ هو، فهو كفيلٌ به، مما يشعر أن قوله: “لا أسئلكُم عليه أجراً” كان هذا الرد بناءً على اتهام له أو تلميح بأنه ينبغي أجراً أو كسب مال من وراء الدعوة التي يدعوها أو يطمع في سلطانهم. وكان التعقيب “أفلا تعقلون” للتعجيب من أمرهم وهم يتصورون أن رسولاً من عند الله عزّ وجل يطلب رزقاً من البشر، والله تعالى الذي أرسله هو الرزاق الذي يفوت هؤلاء الفقراء. - التذكير بنعم الله عزّ وجل على قومه:
أن الله تعالى قد أنعم على عبادهِ بنعمٍ كثيرة لا تعدُ ولا تُحصى، فقال تعالى: “وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ” النحل:18. فقال السيد قطب في تفسير قوله تعالى: “وأنّ تَعُدّوا نِعمةَ الله لا تحصوها”. ففضلاً على أن تشكروا الله عزّ وجل على أكثر النِعم لا يدركها الإنسان؛ لأنه يألفها فلا يشعر بها إلا حين يَفتقدها، وهذا تركيب جسده ووطائفةً متى يشعر بما فيه من إنعام إلا حين يدركه المرض فيسحسُ بالاختلال، إنما يسعه غفران الله تعالى للتقصير ورحمتهُ بالإنسان الضعيف. - أسلوب الحوار والمناظرة والمجادلة:
إنّ أصحاب الدعوة إلى الله عزّ وجل في زمانٍ وفي أي مكان في حاجةٍ ماسة إلى أن يقفوا طويلاً أمام مشهد الدعوة الذي وقفه هود عليه السلام، وهو يُحاور قومه عاداً، ولم يؤمن معهُ إلّا قليل من قومه، يواجه أعتى أهل الأرض وأغناهم، الذين قالوا: “من أشدّ منا قوةً” وأكثر أهل الأرض حضارةً مادية في زمانهم، بدليل قوله تعالى: “التي لم يُخلق مثلها في البلاد” إن هؤلاء العُتاه الطغاة الجبارين، الذين قال الله فيهم: “وإذا بطشتُم بطَشتُم جبّارين” من غير رحمة والذين أبطرتهُم النعمة، والذين يقيمون المصانع يرجون من ذلك وراثة الأرض والامتداد والخلود فيها هؤلاء هم من واجههم نبي الله هود، هذه المواجهة التي واجهها هود لقومه في شجاعة المؤمن واستعلائهِ وثقةٍ واطمئنان، يحاورهم كل هذه المحاورة الحاسمة الكاملة دون تردد في دعوة قومه للحق دون خوفٍ منهم، وتَحداهم أن يكيدوهُ بلا إمهال، وإن يفعلوا ما في وسعهم فلا يُباليهم بحال.
ويبدأ الحوار بين نبي الله هود عليه السلام وقومهُ، ويبدأ الحوار في أجمل صورةٍ من نبي الله هود عليه السلام لقومه عاد فيبدأ الحوار بقول هود السلام لقومه، فقال تعالى:”وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا ۗ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۚ أَفَلَا تَتَّقُونَ” الأعراف:65. - أسلوب الترغيب:
إن طبيعة النفس البشرية التي جُبلت عليها تميلُ دائماً إلى الحوافز والرغائب والثواب والجزاء، وما خلق الله عزّ وجل الجنة إلّا ثواباً للطائعين العابدين الزاهدين الحامدين الشاكرين لله تعالى ولعلنا نجدُ هذا الميلُ النفسي الإنساني بطبيعته يرغب بالفوز بالثواب ويتجنب العقاب، ولو تأملنا ونظرنا في القرآن الكريم لوجدنا آيات الترغيب كثيرة في كتاب الله تعالى، والحكمة من ذلك الترغيب استمالة القلوب إلى الإيمان والتوحيد لنيل الجزاء والثواب من الله تعالى، فالترغيبُ في الثواب يُحفز النفس ويشجعها على العمل والنشاط والاجتهاد في الطاعات وفي فعل الخيرات، ولذلك كان نبي الله هود عليه السلام هو من الذين أرسلهم الله تعالى لدعوة قومهِ بالترغيب، يرغبهم فيما عند الله من الجزاء والثواب، فبدأ يُرغب قومهُ في العبادة لله وكان يُعطيهم أسباب حصول الثواب بعد الإيمان ويرغبُهم في الاستغفار والتقوى، فهذه هي دعوة الأنبياء عليهم السلام. - أسلوب الترهيب:
إن طبيعة النفس البشرية دائماً تكره العذاب وتنفر من العقاب والترهيب والحرمان، وتميل إلى الجزاء والثواب، وما خلق الله عزّ وجل النار إلا الكافرين بدعوة الأنبياء عليهم السلام، والعَاصين لأوامر الله تعالى للجاحدين بنعم الله تعالى ولعلنا نجد تساوقاً مع هذا الميل الإنساني بطبيعته الفطرية، ولو تأملنا ونظرنا في القرآن الكريم، لوجدنا آيات الترهيب والترغيب متلازمات في سياق الآيات القرآنية، وأن الحكمة والعِظة من ذلك أن الذي لا يتأثر بالترغيب وثوابهِ وجزائهِ، فقد يؤثر فيه الترهيب وعقابه، فالتَرهيب من العقاب يردع النفس وصاحبها عن التمادي في الغي والضلال، خاصة بعد أن بين الله تعالى في بيان سوء العاقبة، وبيان عاقبة الكفر والغيّ والطغيان وأثره على النفس والمجتمع.