الأسباب التي تزيل الغفلة وتجلب الخشوع في الصلاة:
يجب ترك الأسباب التي تزيل الخشوع في الصلاة، أو تضعفه، والعمل بالأسباب التي تجلبه وتقويه، وهي كثيرة، منها الأسباب الاتية:
السبب الأول: معرفة الله تعالى: بأسمائه وصفاته والوهيته وربوبيته، فيجب على العبد أن يعلم أن الله تعالى له الأسماء الحسنى، والصفات العُلا؛ فيثبت لله ما أثبته لنفسه، وما أثبته له رسول الله صلى الله عليه من غير تعطيلٍ، ولا تحريف، ولا تكييفٍ، ولا تمثيل، وينفي عنه ما نفاه عن نفسه، وما نفاه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن الله تعالى هو: الخالق المالك لكل شي، المدبر له، لا معطي لما منع، ولا مانع لما أعطى ولا مذلّ لمن أعزّ، ولا معزّ لمن أذلّ، ولا خافض لمن رفع، ولا رافع لمن خفض، ومن هذه صفاته وأسماؤه وأفعاله، فهو المستحق للعبادة وحده، لا شريك له، ولا معبود بحقٍ سواه، ولا ربّ غيرة، فيجب على العبد أن يعبد هذا الربّ الكريم أنه يراه؛ فإن لم يكن يراه فإنه يراه ، وقد ذكر إبن القيم رحمه الله تعالى أن معرفة الله نوعان:
1- معرفة إقرار، وهي التي إشترك فيها الناس: البرّ والفاجر، والمطيع والعاصي.
2- معرفة توجب الحياء منه، والمحبة له، وتعلق القلب به، والشوق إلى لقائه، وخشيته، والإنابة، والأنس به، والفرار من الخلق إليه، وهذه هي المعرفة الخاصة، والناس يتفاوتون فيها؛ ولهذه المعرفة بابان واسعان:
الباب الأول: التفكّر والتأمل في آيات القرآن كلها، والفهم الخاص عن الله تعالى، ورسوله صلى الله عليه وسلم.
الباب الثاني: التفكر في أيات الله مشهود، وتأمل حكمته فيها، وقدرته، ولطفه، وإحسانه، وعدله، وقيامة بالقسط على خلقه، وجماع ذلك: الفقه في معاني أسمائه الحسنى، وجلالها، وكمالها، وتفردة بذلك، وتعلقها بالخلق ولأمر، فيكون فقيهاً في أوامره، ونواهيه، فقيهاً في قضائه وقدرة، فقيهاً في أسمائه وصفاته، فقيهاً في الحكم الديني الشرعي، والحكم الكوني القدري،: “ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم” الحديد:21.
السبب الثاني:علاجُ قسوة القلب، ومرضه، وغفلته؛ فإن هذه الأمراض من أعظم الأسباب في عدم الخشوع في الصلاة؛ لأن القلب إذا صلح صلحت الأعمال، والأحوال، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت، صلح الجسد كلّه، وإذا فسدت فسد الجسد كلّه، ألا وهي القلب”رواه مسلم.
– وقد ذم الله أصحاب القلوب القاسية، وأقساها قلوب اليهود، قال الله تعالى عنهم وعن قلوبهم: “وإذا قتلتم نفساً فادارأتم فيها والله مخرج ما كنتم تكتمون- فقلنا إضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى ويريكم أياته لعلكم تعقلون – ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ۚ وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ” البقرة:71-74.
– وقد حذر الله المؤمنين أيضاً من قسوة القلوب فقال الله عزوجل: “أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ –اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ“الحديد:16-17.
– وذم الله تعالى ذمّاً عاماً لكلّ من قسا قلبه، وأثبت له الويل والهلاك، فقال: “أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ ۚ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ” الزُمر:22. ولا شك أن علاج قسوة القلوب يكون بالنظر إلى أسباب القساوة ثم إزالتها، ويكون ذلك على النحو التالي:
الوفاء بالعهد مع الله تعالى في القيام بالواجبات: التي أوجبها تعالى، والابتعاد عن المحرّمات التي حرّمها على عباده، وكذلك الوفاء بالعهد مع المخلوقين، قال الله تعالى في سبب قساوة قلوب اليهود: “فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا خطأ ممّا ذكّروا به” المائدة:13.
كثرة ذكر الله تعالى بالقلب واللسان، فمن أعظم سلامة القلوب من القسوة والأمراض المعنوية؛ فإن من أسباب قسوة القلوب كثرة الكلام بغير ذكر الله تعالى؛ لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله، فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله تعالى قسوة للقلب، وإن أبعد الّناس من الله تعالى القلب القاسي” رواه الترمذي.
والدعاء: هو سؤال العبدُ لربهِ على وجه الابتهال، وقد يُطلق على التقديس والتحميد وغير ذلك، فالدعاء هو نوعٌ من أنواع الذكر؛ فإن الذكر يأتي على ثلاثة أنواع وهما:
النوع الأول: وهو ذكر أسماء الله وصفاتهِ ومعانيها والثناءُ على الله تعالى بها وتوحيد الله بها وتنزيهه عما لا يليق به وهما نوعان: الأول: إنشاء الثناء عليه بها من الذاكر، وهذا النوع هو الذي ذكر في الأحاديث: نحو سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر. والثاني هو الخبر عن الله تعالى بأحكام أسمائهِ وصفاتهِ، مثل القول إنّ الله على كلّ شيءٍ قدير.
والنوع الثاني: ذكر الأمر والنهي، والحلال والحرام وأحكامه فيعملُ بالأمر ويبتعد عن النهي، ويُحرم الحرام ويُحلّ الحلال.
والنوع الثالث: وهو ذكر الآلاء والنعماء والإحسان، وهذا أيضاً من أجَلّ أنواع الذكر، وهي ثلاثة أنواع وهي: ذكرٌ يتواطأ عليه القلب واللسان، وهو أعلاهما. ذكرٌ بالقلبِ وحدهُ وهو يأتي في المرتبة الثانية. والثالث وهو الذكر باللسان المجرد، وهو في وهو الذي يأتي في المرتبة الثالثة.
السبب الثالث: وهو الابتعاد عن الوسوسة؛ لأنها أعظم موانع الخشوع في الصلاة، فإن نجا العبدُ من هذا الأمر الخطير، فقد نجا من شرورٍ كثيرةٍ. فالوسوسةُ من الشيطان: فقال تعالى: “مِنّ شَرّ الوَسواسِ الخناس”. فالوسوسة أيضاً هي حديث النفس مع الشيطان بما لا ينفعُ ولكنهُ يضر.
ومن أسباب الوسوسةِ: هي قلةُ العلم الشرعي، أي جهلهُ بالقرآن والسنة والصحابةِ والتابعين. وضعفُ الإيمان؛ لأن الشيطان يتسلّطُ على أهل المعاصي، بعكس قويين الإيمان. وأيضاً الوسوسةُ تعملُ على الاسترسالُ مع الأفكار؛ فإن الاسترسال يجعلُ الشيطان يدخلُ عليه. وأيضاً هناك ضُعف العقل؛ وذلك لأن صاحب العقل الكامل المؤمن ينجو من الوسزسةِ بفضل الله تعالى.
ومن مظاهر الوسوسةِ عند الموسوسين: هو التأخر مثلاً في حالة الاستنجاء أو الوضوء والاغتسال، أو تكرار الوضوء أو الطهارة أو الصلاة والإسراف في ماء الطهارة وإعادة هذه العبادات، وذلك بظنهِ أنها فاسدة.