اقرأ في هذا المقال
الحقوق المشتركة بين الزوجين:
سنتحدث في هذا المقال عن الحقوق المشتركة بين الزوجين، والتي رتَّبها الشارع على صحَّة عقد الزواج، وهذه الحقوق معدودةٌ من آثار ذلك العقد، وتتمثّل في: حلِّ الاستمتاع، وثبوت النسب، وحُرمة المصاهرة، وحُسن المعاشرة بالمعروف، وثبوت التوارث.
وسنوضحُ حقوقَ المعاشرة بالمعروف بين الزوجين في فرعٍ مستقلٍّ بالنظر إلى أنّ المعاشرة بالمعروف وإن اقتضت المماثلةَ إلا أن الزوجين قد يختلفان في مفردات هذا، ثم أُعقبه بالحقوق المشتركة الأخرى ماليةً كانت أو غيرها ممَّا توجبه الرابطةُ الزوجية في فرع آخر تال له.
المماثلة المشتركة بين الزوجين:
انطلاقاً مِن مُفردات المُماثلة في الحقوق التي ينبغي على كُل مِن الزوجين أَن ينهض بها ويسعى إلى تحقيقها وتأديتِها حق الأداءِ، نَتناوَل جملة منها على وجه التوضيح والتقريب في الفروع التالية، فمن الحقوق المشتركة بين الزوجين ما يلي:
1- التواصي بالحق والتعاون على طاعة الله تعالى، والتذكير بتقوى الله:
فالواجب على الزوجين أَن يُوصي بعضُهما بعضاً بالحق الذي يَحق القيامُ به مِن قضايا الإيمان بالله ومسائلِ التوحيد، ويتعاونا على طاعة الله بما شرعه واجتناب ما نهى عنه، ويذكر بعضُهما بعضاً بتقوى الله والصبر على القيام به عملًا بقوله تعالى: “وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡحَقِّ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ” العصر:3.
وقد جاء ثناء النبيِّ صلى الله عليه وسلم وترحمه على زوجين يُعين كل منهما الآخر على طاعة الله وعبادته فقال: “رَحِمَ اللهُ رَجُلًا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّى، ثُمَّ أَيْقَظَ امْرَأَتَهُ فَصَلَّتْ، فَإِنْ أَبَتْ نَضَحَ فِي وَجْهِهَا المَاءَ، وَرَحِمَ اللهُ امْرَأَةً قَامَتْ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّتْ، ثُمَّ أَيْقَظَتْ زَوْجَهَا فَصَلَّى، فَإِنْ أَبَى نَضَحَتْ فِي وَجْهِهِ المَاءَ” أخرجه أبو داود.
2.تجسيد المودة والرحمة في الحياة الزوجية:
يجب على كل من الزوجين أن يحمل أكبر قدر من المحبة الخالصة التي تدفع كل واحد منهما ليكون عوناً لصاحبه في تَفقّد أحواله وقضاء حاجته وإعطائه مِن لسانه ما يُحب أَن يسمعه منه ونحو ذلك. كما يجب أن يحمل كُل منهما لصاحبه قدراً من الرّحمة ويبذلها تجاه الآخر إلى طيلة حياتهما الزوجيّة، فيجب أن يوصي بها ويدعو إليها؛ مصداقاً لقوله تعالى: “ثُمَّ كَانَ مِنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡمَرۡحَمَةِ أُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡمَيۡمَنَةِ” البلد: 17-18.
وأن يعفو كل واحد منهما عن أخطاء الآخر وزلَّاته، ويتغاضى عن هفواته وسقطاته، ويواسيه عند الحزن والهمّ، ويشدَّ أزرَه ويقوي عضده عند الشدائد والمحن، ويداويه عند المرض والعجز، ولا يُكلّفه ما يشق عليه ويعسر، ولا يُحمِّله ما لا يرتاح معه، ونحو ذلك من المعاملة الحسنة المكسوّة بالمحبَّة والرحمة التي يتوخّى فيها جبر الخواطر والوقاية من النفور والكراهة، والتماس الألفة، والتعاون على جلب السعادة والسرور ودفعِ الحزن والشرور قَدر الإمكان، طلباً لاستمرار الحياة الزوجية.
3. بذل الثقة وإحسان الظن:
فيجب على كل من الزوجين أن تَصدر أقواله وتصرفاته بعيدة عن الحيف والتشكيك أو التكذيب أو إساءة الظن بصاحبه؛ لقوله تعالى:”يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱجۡتَنِبُواْ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلظَّنِّ إِنَّ بَعۡضَ ٱلظَّنِّ إِثۡمٞۖ وَ لَا تَجَسَّسُواْ” الحُجُرات:12. ينبغي أَنْ يكون كلٌّ منهما واثقًا من صدق أقوال صاحبه وإخلاص نصيحته له؛ لذلك وجب أن يكون كل واحد صادقاً مع صاحبه مُخلصاً له أميناً تجاهه.
4. التحلي بخلق الصبر واحتمال الأذى:
فقد أوجب الإسلام على الزوجين احتمال كل واحد منهما أذى الآخر والصبر على ما لا يعجبه منه من أقواله وتصرفاته وسيرته؛ إذ الواجب أن يستحضر كل منهما معاني العفو والتسامح والرأفة والصفح الجميل إلى جانب العتاب والقسوة والشدة، والاعتراف بالحسنات والمزايا إلى جوار التقصير والمآخذ والعيوب؛ فإنْ وجدت الكراهية من أحد الزوجين للآخر أو النفرة منه والرغبةُ عنه من غير فاحشة أو نشوز؛ فعلى الطرف الآخر أَن يتحلَّى بخُلق الصبر تجاهه ويحتمل الأذى وقلة الإنصاف منه؛ فإن في الصبر مجلَبة للخير وتفادياً من انهيار سقف الحياة الزوجية بينهما، وفي سياقِ هذا المعنى قال تعالى: “وَلَا تَسۡتَوِي ٱلۡحَسَنَةُ وَلَا ٱلسَّيِّئَةُۚ ٱدۡفَعۡ بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِي بَيۡنَكَ وَبَيۡنَهُۥ عَدَٰوَةٞ كَأَنَّهُۥ وَلِيٌّ حَمِيمٞ وَمَا يُلَقَّىٰهَآ إِلَّا ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَمَا يُلَقَّىٰهَآ إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٖ: فصلت: 35-34.
5. المسؤولية المشتركة في بناء أسرة متكاملة:
يُوجب الإسلامُ على الزوجين القيام ببناء أسرةٍ مُتكاملة مِن جميع الوجوه، والقيام على تربية الأولاد ورعايتهم من الناحية الصحية والدينية والخُلُقية والسلوكية، ويحملهما الإسلام مسؤولية تضييع الأسرة والتقصير في الرعاية والتوجيه، وقد روى ابن حبَّان وغيره عن ابنِ عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إِنَّ اللهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا اسْتَرْعَاهُ: أَحَفِظَ أَمْ ضَيَّعَ؟ حَتَّى يَسْأَلَ الرَّجُلَ عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ“أخرجه ابن حبان في صحيحه.
فالزوج راعٍ في بيته ومُؤتمَن على من تحت ولايته مِن زوجةٍ وأولادٍ وإخوة وأخوات، وتقعُ على عاتقه مسؤولية الإنفاق وحُسن العشرة وتعليم الأولاد وتربيتهم بنفسه أو بواسطة ماله، ويأتي في طلة التهذيب: تعليمُهم فرائض الدين وتأديبهم بالخلق السامي والأدبِ النبوي.
الحقوق المترتبة على الرابطة الزوجية:
يُرتِّب الإسلام بمقتضى عقد الزواج حقوقاً مالية وغير مالية للزوجين تُنشِئها الرابطة الزوجية، وقد سَبَق في المطلب الأوَّل ذِكْرُ حقوقِ حُسنِ المعاشَرة التي توجِب المُماثَلة بحسَبِ الاختلاف في مُفردات هذا الحق، ونَتناوَل في هذا المطلب بقيَة الحقوق المترتِبة على الرابطة الزوجية في الفروع التالية:
1. حلّ الإستمتاع:
فإذا تم العقد صحيحاً بتوفّرِ أركانه وشروطِ انعقاده وانتفَت عنه الموانع كالإحرام مثلاً حَل لكل منهما الاستمتاع بالآخَرِ بجميع أنواع الاستمتاع التي أباحَتها الشريعة، فهو حل ما يَقتضيه الطبع الإنساني ممّا هو محرّم إلّا بالزواج
أو ملكِ اليمين؛ لقوله تعالى: “وَٱلَّذِينَ هُمۡ لِفُرُوجِهِمۡ حَٰفِظُونَ إِلَّا عَلَىٰٓ أَزۡوَٰجِهِمۡ أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُهُمۡ فَإِنَّهُمۡ غَيۡرُ مَلُومِينَ” المؤمنون:5-6؛ فالآيةُ دَلَّتْ على أنَّ الزوجة تَحِلّ لزوجها كما يحلّ هو لها، ومِن ثَم كان حل الاستمتاعِ حقاً مشترَكاً بين الزوجين لا يحصل إلَّا بمشارَكتِهما معاً؛ إذ لا يمكن أَنْ ينفرد به أَحَدُهما، علماً أن الجماع واجبٌ على الزوج إذا لم يكن له عذرٌ على الأَرجَح، وهو حق ثابت للمرأة لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم:“وإنّ لزوجك عليك حق”.
2. ثبوت النسب:
وتبعاً لحل الاستمتاع فإن ما يحصل للزوجين مِن ولدٍ أثناء قيام الرابطة الزوجية المترتِبة على الزواج الشرعي باعتبارِه وسيلة إيجادِ النسل، فإن نَسَب الولدِ يثبت مِن الزوج صاحِب الفراش على أنه ولَده مِن زوجته التي هي أُمه لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم:“الوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الحَجَرُ” أخرجه البخاري، وتبعيةُ نَسَب الولدِ لأبيه مُجمع عليها لقوله تعالى:”ٱدۡعُوهُمۡ لِأٓبَآئِهِمۡ” الأحزاب: 5، ونَسَبُه إليها حقٌّ لها ثابتٌ قَطْعًا لانفصاله عنها، وإنما يُلحَق نَسَب الولد بأمِّه فقط عند انقطاعِ نَسَبِه مِن جهة أبيه.
3. ثبوت حرمة المصاهرة:
يَترتبُ على حلِّ العِشرةِ الزوجية التي أساسها عقدُ الزواج الشرعي ثبوتُ حرمة المصاهرة، وهي تتمثّل فيما يلي:
– يَحرُم على الرجل أَن يتزوَّج بأمهات زوجته بمجرَّد العقد عليها على الأَصح.
– يَحرُم على الرجل أَن يتزوج ببنت زوجته وهي ربيبته إِن كان قد دَخل بأمها، فإِن عَقَد على أمها ولم يدخل بها جاز أَن يتزوّج ابنتها أو بفروعِ أبنائها أو بناتها مِنَ النساء؛ لقوله تعالى:”وَرَبَٰٓئِبُكُمُ ٱلَّٰتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ ٱلَّٰتِي دَخَلۡتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمۡ تَكُونُواْ دَخَلۡتُم بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ” النساء: 23.
– يَحرُم على المرأة بعد طلاقها مِن زوجها أو وفاتِه وانقضاءِ عدَّتها منه أَن تتزوج بآباء زوجها أو أجدادِه أبداً إجماعاً؛ لقوله تعالى:”وَحَلَٰٓئِلُ أَبۡنَآئِكُمُ ٱلَّذِينَ مِنۡ أَصۡلَٰبِكُمۡ” النساء: 23.
– ويَحرم على الزوج أيضاً أَن يجمع بين زوجته وأختِها، أو بين عمتها وخالتها.
4. ثبوت حق التوارث:
يثبت حق التوارث بين الزوجين بمجرد إتمام عقدِ الزواج ولو لم يتمّ الدخول لأن الصلَةَ الرابطةَ بينهما هي صلَة سببيةٌ: أي: سببُها عقدُ الزواج؛ فيتوارثان بسببه إلَّا لوجودِ مانعٍ من موانع الإرث، كما قد حدَّد اللهُ تعالى مقدار الميراث لكل منهما: ففي حال ماتَت الزوجةُ أَخَذَ الزوجُ نصفَ تَرِكَتها في حال لم يكن لها ولد منه أو حتى من غيرِه، وأَخذ رُبع تَرِكَتِها في حال كان لها ولد منه أو مِن غيره، وإذا مات الزوجُ أخذَتِ الزوجةُ رُبُعَ تَرِكَته إِنْ لم يكن له ولدٌ منها أو مِنْ غيرها، وأخذَتْ ثُمُنَ تَرِكَتِه إِنْ كان له ولدٌ منها أو مِن غيرها، فكان التنويعُ في النصيبين مُرْتبِطاً بوجود الفرع الوارث وعدمه، فإذا وُجِد الفرعُ الوارث للميِّت كان للآخَرِ أَقَل الفرضين، وإذا انعدم الفرع الوارث للميِّت كان للآخَرِ أَكثَرُ الفرضين، وهو ميراث ثابت بين الزوجين بنصِّ قوله تعالى:
“وَلَكُمۡ نِصۡفُ مَا تَرَكَ أَزۡوَٰجُكُمۡ إِن لَّمۡ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٞۚ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٞ فَلَكُمُ ٱلرُّبُعُ مِمَّا تَرَكۡنَۚ مِنۢ بَعۡدِ وَصِيَّةٖ يُوصِينَ بِهَآ أَوۡ دَيۡنٖۚ وَلَهُنَّ ٱلرُّبُعُ مِمَّا تَرَكۡتُمۡ إِن لَّمۡ يَكُن لَّكُمۡ وَلَدٞۚ فَإِن كَانَ لَكُمۡ وَلَدٞ فَلَهُنَّ ٱلثُّمُنُ مِمَّا تَرَكۡتُمۚ مِّنۢ بَعۡدِ وَصِيَّةٖ تُوصُونَ بِهَآ أَوۡ دَيۡنٖۗ” النساء: 12.