حكمة مشروعية الحدود:
خلقنا الله تعالى وأمرنا بعبادته وطاعته، وفِعْل ما يأمر به، والابتعاد عن ما نهى عنه، وسنّ حدوداً لمصالح عباده، ووعد من أطاعه بالسعادة في الدنيا وما فيها، والجنة في الآخرة. وتوعّد لمن عصاه بالشقاء والهمّ في الدنيا، وعذاب النار في الآخرة. فمن قارف الذنب فقد فتح الله له باب التوبة والاستغفار، فإن أصرّ على معصية الله، وأبى إلّا أن يغشى حماه، ويتجاوز حدوده بالتعدّي على أعراض الناس وأموالهم وأنفسهم، فهذا لا بد من كبح جماحه بإقامة حدود الله التي تردعه وتردع غيره، وتحفظ الأمة من الشر والفساد في الأرض. والحدود كلها رحمة من الله، ونعمة على الجميع.
فتُعتبر للمحدود طهرةٌ من إثم المعصية، وكفارةٌ عن عقابها الأخروي، وتكون له ولغيره رادعة عن الوقوع في المعاصي، وهي ضمانٌ وأمان للأمة على دمائهم وأموالهم وأعراضهم، وإذا أقيمت على أكمل وجه يصلح الكون، ويسود الأمن والعدل، وتحصل الطمأنينة.
1- قال الله تعالى:“فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى_ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى_ قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا_قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى _وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى“طه: 123- 127.
2- وعَن عبَادَةَ بنِ الصّامِتِ رضي اللهُ عَنْهُ قَالَ: أَخَذَ عَلَينَا رَسول الله صلى الله عليه وسلم كما أَخَذَ عَلَى النّسَاءِ:”
أن لا نشرك بالله شيئاً، ولا نسرق، ولا نزني، ولا نقتل أولادنا، ولا يعضه بعضنا بعضاً. فمن وفى منكم فأجرهُ على الله، ومن أتى منكم حدّاً فأقيم عليه، فهو كفارته، ومن ستره الله عليه فأمرهُ إلى الله، إن الله إن شاء عذبهُ، وإن شاء غفر له” متفق عليه.
أنواع حدود الله تعالى:
- حدود الله التي نهى عن تعدّيها: وتشمل كل ما أذن الله تعالى بالقيام به، مثل الوجوب أو الندب أو الإباحة، والتعدي عليها يكون بتجاوزها ومخالفتها، وهي التي أشار الله تعالى:“تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ”البقرة:229.
- والمحارم التي نُهي الله عنها وهي المحرمات التي نهى الله عن فعلها، مثل الزنا وهي التي أشار الله إليه بقوله سبحانه:”تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ“البقرة:187.
- أما الحدود المقدرة والرادعة عن محارم الله، مثل عقوبة الرجم والجلد والقطع وما شابه ذلك. فهذه كلها يجب الوقوف عندها عندما قُدّر فيها بلا زيادة ولا نقصان، وهي المقصودة هنا.