ما هي السمات السلوكية التي تميزت بها دعوة نوح عليه السلام؟

اقرأ في هذا المقال


السمات السلوكية التي تميزت بها دعوة نوح عليه السلام:

إن ما تميزّ به دعوةُ نوحٌ عليه السلام عن غيره من الأنبياء هي عدة أمور وهي:

  • الصبر:
    لقد وصلَ الأذى بنوحٍ عليه السلام إلى مرحلة الابتلاء الكبير، حتى قال محمدٌ بن إسحاق: ولم يلقَ نبيٌ من قومه من الأذى مثل نُوح إلا نبيٌ قُتل. وقال يزيدُ الرقاشيّ إنّما سُمي نوحاً لكثرة ما ناح على نفسه، فالكفارُ في زمنه مكروا مكراً كباراً حتى يمنعوا الناس عن الإيمان، ومردواً عَلى الشرك وتواصوا على الصبر على آلهتهم الباطلة، وأبوا أن يرجعوا إلى الحق، يقول تعالى:” ومكّروا مكراً كُبّاراً- وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا” نوح:22-23. ومع هذا المكر الكبّار فقد صبرَ نوح عليه السلام وهو يدعو قومهُ ألف سنةٍ إلا خمسين عاماً.
    وأساليب أهل الباطل لمقاومة أهل الحق تتكرر على مر العصور والأزمان، وهي أربعة أساليب، وهي استخدام القوةِ والتهديد أو السخرية والاستهزاء أو الاتهامات المغرضة أو الشبهات الباطلة، يقول ابن القيم: وهذا شأن المبطلين إذا غلبوا وقامت عليهم الحجة هموا بالعقوبة، فكانوا يهددون نوحاً بالرجم حيناً والحين الآخر يستهزؤون به كما فعلوا أثناء صنعه للسفينة، وحيناً يصفونه بالجنون والضلال والطغاة وتفصيل الأساليب كانت على النحو التالي:
    – الاتهام: فقد بدأ الملأ المجرمون في مجادلة نوح عليه السلام واتهامه بما ليس فيه، كل ذلك ونوحٌ عليه السلام صابرٌ يشفق على قومهِ من عذاب الله. فقد اتهموه بالضلال في بداية الأمر، فيقول تعالى: “إنّا لنراكَ في ضَلالٍ مبين” الأعراف:60. واتهموه بالجنون وورد ذلك في قوله تعالى: “إنّ هو إلا رجلٌ به جنةٌ فترَبصوا به حتى حين” المؤمنون:27. واتهموه بالكذب، كما في قوله تعالى: “فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ” هود:27.
    – التهديد: فقد وصل الامرُ بقومه الفاسدين، أن يتوعدُوه بالرجم، يقول سبحانه: “قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ” الشعراء:116. ولكن سنة الله هي وجوب نصرة المظلوم ولو بعد حين. كما نجى الله نوحاً عليه السلام ومن معه من ظلم الكافرين الذين هددوه بالرجم، فيقول تعالى: “وَحَمَلْنَاهُ عَلَىٰ ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍتَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِّمَن كَانَ كُفِرَ” القمر:13-14.
    – الاستهزاء: أنه حينما شرع نوحاً عليه السلام في صنع السفينة، بدأ قومه قومهُ يستهزؤون به قائلين له: هل تحولت من داعٍ إلى الله إلى نجّارٍ، وما هو قصدك بهذه السفينة، وأين الماء الذي سيحمِلها وهيَ البر بعيدة عن البحر. وكان عليه السلام إزاء سخريتهم يقول لهم: إن كنتم تَهزؤون بي وبمن معي من الذين آمنوا، فإننا سنَهزأ بكم عما قريب، وسوف تعلمون من سيأتيهِ عذابٌ يذلهُ في الدنيا، كما سيحلّ عليه في الآخرة عذابٌ دائم، فقال تعالى: “وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ ۚ قَالَ إِن تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَفَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ” هود:38-39.
    – إثارة الشبهات: وهو عندما تقدم نوح عليه السلام برسالته إلى قومه صدوه وطعنوا في دعوته بأمورٍ ثلاثة وهي:
    الأول: “وما نراكَ إلا بشراً مّثلَنا”. والثاني: “ما نراكَ اتّبعك إلّا الّذين هُم أراذلُنا بادي الرأي”. والثالث: “وما نرى لكُم علينا من فضلٍ”. ونلاحظ أن هذه الشبهات قائمة على الرأي الفاسد، الذي ينّم عن تكبّر واستبداد في الرأي وتعظيم الأنا، فقد جاءت العبارات مثل: نراك – نرى.
  • التواضع:
    إنّ الكمال المطلق لله وحده، ولا شكّ أن الداعية قد يُخطئ وأنه قد يحتاج لغيره، فنوحٌ عليه السلام نفى عن نفسه الغنى المطلق وعلم الغيب. قال الرازي: ولا أقول لكم عندي خزائنُ الله إشارةٌ إلى أنّي لا أدّعي الاستغناء المُطلق، وثانيهما: العِلم التام وإليه الإشارةُ بقولهِ: ولا أعلمُ الغيب. وثالثهما: القدرةُ التمةُ الكاملة، وقد تقرر في الخواطر أنّ أكمل المخلوقات في القدرةِ والقوةِ هُم الملائكةِ وإليه الإشارةُ بقوله: ولا أقول إنّي ملكٌ، والمقصود من ذكره هذه الأمور الثلاثة بيان أنه ما حصل عندي من هذه المراتب الثلاثة إلّا ما يليق بالقوةِ البشرية والطاقة الإنسانية، فأما الكمال المُطلق فأنا لا أدعيهِ.
    ولقد كان نوحٌ عليه السلام في قمة التواضع وهو يصنعُ السفينة بنفسه ولم يطلب من أحداً من أتباعه بأن يساعدهُ بذلك “ويصنع الفلك” فعلى الداعية أن يتواضع ويحرص على إقامة عملهِ بنفسه، لا أن يتسلط على المدعوين بإنجاز عمله.
  • الدعاء والإلتجاءِ لربّ السماء:
    بعد أن ضاق نوحٌ عليه السلام ذرعاً بقومه لجأ إلى ربهِ مستغيثاً به مما يلاقي من قومه من إعراض، فقال: يا رب إنّي دعوتُ قومي للإيمان بكَ وترك عبادة الأصنام، وقد حرصتُ على ذلك غاية الحرص، فلم أدع وقتاً مناسباً إلا وقد دعوتهم فيه، سواء في الليل أو النهار، ولكن لم يزدهم حرصي ودعوتي لهم إلا تمرداً وعصياناً، ثم إنّي دعوتهم مرةً تلو الأخرى بأساليب متعددة ومختلفة، فحيناً أدعوهم جهراً في مجتمعاتهم، وحيناً انفرد بعضهم سرّاً، وتبين لنوح عليه السلام أن هؤلاء لا تنفعهم دعوة، وأنهم إنّ تُركوا مُتمادين في ضلالهم أضلوا غيرهم عن الحق، ونشروا آثامهم، وانتقل فسادهم إلى ذريتهم بالوراثة، فهم لا يلدون إلا من كان على شاكلتهم في الكفر والفجور، ونادى نوحٌ ربه: “قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِفَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَن مَّعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ” الشعراء:117-118.
  • اللين في القول والمعاملة:
    إن اللين هو خلقٌ ينبغي أن يكون ملازماً للداعيةِ في دعوته، بل وفي شأنه كله، فحري بالخلق أن يستجيبوا للداعيّة إن كان ليناً رفيقاً في دعوته، فقال تعالى: “فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ” آل عمران:159.ونحن نلاحظ في خطاب نوح عليه السلام لقومه أنهُ كرّر النداء “يا قومي” عدة مرات وكرات، مع ما في هذه اللفظة من جمال التلطف. يقول ابن كثير في معرض تعليقه على قول الله تعالى: “قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةًمِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ” هود:28.
  • الفصاحة والبيان:
    فعلى الداعية أن يكون فصيحاً مبيناً في خطابه، فيتحدثُ بأيسر الكلمات لبيان مقصده، وكلما كان فصيحاً بليغاً كان له تأثيرٌ ووقعَ على نفوس المُستعمين وقلوبهم، فنوحٌ عليهم السلام أجاب قومهُ بكلمات يسيرات لينفي عن نفسه الضلال ويُثبت لشخصهِ الرسالة، فيقول تعالى: “قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَٰكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ” الأعراف:61. إن الكلمات التي في الآية قليلات ولكنها كانت في قمة البيان والوضوح، وهذا شأن الرسول أن يكون بليغاً أي فصيحاً ناصحاً أعلمُ الناس بالله عزّ وجل. وقد استخدم نوح مع قومه جميع الكلمات اللطيفة وعبارات البيان لإقناعهم.

شارك المقالة: