الصفات المهارية التي تطرقت إليها قصة نوح عليه السلام:
إن من أبرز الصفات التي تطرقت لها قصة نوح عليه السلام وهي ما يلي:
- التبشير والإنذار:
عندما دعا نوح عليه السلام قومه للإيمان بالله والاستغفار رغبهم في ثمرات ذلك، فقال تعالى لهم: “يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا–وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا” نوح:11-12. إنها الحياة الرغيدة التي تقوم على الرزق الوفير، والعيش الكريم، فإن أمطار الخير لا تنقطع، وأموال بكلّ ألوانها من الذهب والفضة، وأولادهم هم زينةُ الحياة الدنيا وبهجتها، وفوق ذلك كله جناتٌ لا يدركها وصف العقول عند رب العالمين.
ومع أن أعمارهم طويلة، بل أنها طويلةً جداً، إلّا أن نوح بشرهم أيضاً بإطالة العمر، يقول الله تعالى: “إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ–قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ–قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ– يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۚ إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ ۖ لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ” نوح:1-4. أيّ أنه يمد في أعماركم ويُبعد عنكم العذاب الذي إن لم تَنزجروا عما نهاكم عنه، أوقعه بكم. - التنويع في أساليب الدعوة:
لقد قام نوح عليه السلام بما أمرهُ به ربه خير قيام، فدعاهم ليلاً ونهاراً وسراً وعلناً، يقول تعالى: “قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا- فلم يَزدهُم دُعائي إلّا فِراراً- وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا- ثُمّ إنّي دَعوتُهُم جِهاراً-مَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً- فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً” نوح:5-10.
لقد علم نوحٌ أن من الناس من يكون وعيه وإدراكه في النهار أكثر من الليل بحسب طبيعة نشاطه وسعيه في الحياة، ومنهم من يكون أصفى ذهناً لسماع الدعوة وحججها وأكثر تقبلاً للموعظة بالليل حيث يغلب السكون والتأمل وهو ما لا يكون بالنهار. كما أن نوح عليه السلام لاحظ اختلاف طبائع الناس، فوجد أن منهم من إذا وُجهت له الدعوة جهراً أمام الناس، تأخذه العزة والأنفة، ولا يمتثل للأمر المدعوّ إليه تكبراً أو تعالياً وغروراً وخوفاً من معايرهِ أهله وعشيرته، فهذا إذا دُعي سِرّاً، فإنه قد يمتثل إليه، وقد يخفيه سراً فترة من الزمن، وكان عليه السلام يُوجه الدعوة جهراً لمن يلمس فيه الشجاعة والاحترام وعدم المبالاة والخوف من أحد، طالما اقتنع بصحة ما أقدم عليه. - الزهد عمّا في أيدي الناس:
خاطب نوح عليه السلام قومه بكل وضوح بقول الله تعالى: “وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ ۚ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا ۚ إِنَّهُم مُّلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَٰكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ” هود:29.
فيقول الطبري وهذا أيضاً خبرٌ من الله عن ما قيل نوحٌ لقومه، أنه قال لهم: يا قوم لا أسألكم على نصيحتي لكم، ودعوتُكم إلى توحيد الله وإخلاص العبادة له، مالاً ولا أجراً على ذلك، فتتهمونَني في نصيحتي، وتظنون أن فعلي ذلك طلبُ عرض من أعراض الدنيا: وإن أجري إلا على الله، يقول: ما ثواب نصيحتي لكم، ودِعايتكم إلى ما أدعوكم إليه، إلا على الله، فإنه هو الذي يُجازيني ويُثيبني عليه. - البدء بالأهم من الأوليات:
إن البداءة بالأهم هي من أعظم سِمات الداعيّة، فنوحٌ عليه السلام، قد بدأ بالتوحيد، يقول الله تعالى: “لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ” الأعراف:59. فعلى الداعية أنّ يُشخص أولاً أمراض مجتمعه ويُصنفها ثم يبدأ بمعالجة أهمها وأخطرها. فقضيةُ التوحيد هي القضية التي شغلت جميع الرسل والأنبياء، فقال تعالى: “وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ” النحل:36. - الحوار الفعال والإقناع:
استمر نوح عليه السلام في دعوته محاولاً إقناع قومه بأسلوب هين لين، وأخذ يحاورهم ويُجادلهم، فيقول تعالى: “قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ–وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ ۚ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا ۚ إِنَّهُم مُّلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَٰكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ” هود:28-29. ولم تؤثر هذه الكلمات في نفوس القوم، بل ردوا عليه في عناد. قال تعالى: “قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ“هود:32. فالحِوار هو أهم الوسائل الدعوية الناجحة، وهي سبب التآلف والرحمة وحل المشاكل أو تقليصها في نطاقٍ ضيق.