الفرق بين الحد والقصاص والتعزير

اقرأ في هذا المقال


لم تترك الشريعة الإسلامية للقاضي الحرية في اختيار العقوبة أو العقوبات المناسبة التي يراها في جرائم الحدود أو القصاص وتحديد كميتها، لا بل أنها حددت مقدماً العقوبات لكل من هذه الجرائم وجعلها ذاتُ حدٍ واحد، مع أن بعضها يحتمل في طبيعته أن يكون ذا حدّين كما في عقوبة الجلد.

الفرق بين الحد والقصاص والتعزير:

يوجدُ بين الحدّ والقصاص من ناحية، والتعزير من ناحية أخرى أوجهُ خلاف كثيرة في الحكم، ومن هذه الاختلافات ما يلي:
وعلى القاضي إذا ما ثبت لديه أن الجاني قد ارتكب جريمةً من هذه الجرائم أن يحكم بالعقوبة أو العقوبات المقدرة من الشارع، فلا يزيد عليها، ولا ينقص منها، ولا يستبدل بها غيرها، أو أن يوقف تنفيذها، وليس هناك أثرٌ ما في تقدير العقوبة لظروف المجرم أو لظروف الجريمة.
فإذا كانت التهمة تهمةُ سرقة على سبيل المثال، فإن القاضي إذا توصل إلى إثبات الجريمة سواء كان بالبينة أو الاعتراف، فعليه أن يحكم بقطع يد السارق دون النظر لأي ظرف من الظروف، ما دام أن الجريمة قد ثبتت بجميع شروطها وأركانها. وإذا كانت التهمة تهمة قتل بالعمد، وثبتت لدى القاضي بالطرق المنصوص عليها فإنه يكون أيضاً ملزماً بالحكم بالإعدام قصاصاً.

الفرق بين القصاص والحد:

إن الفرق بين القصاص والحدّ، وهو أن يكون القاضي ملزماً بعدم الحكم بالقصاص إذا عفا المجني عليه أو صاحب الحق، وله في تلك الحالة أن يحكم بالعقوبة أو بالعقوبات التعزيرية التي يراها مناسبة، والأساس في هذا الفرق بين الحدود والقصاص أن الحدود هي واجبة لله تعالى، وأن القصاص هو حق واجب للأفراد. فصاحب الحق فيه أن يطلب الاستيفاء، أو يترك القصاص بالعفو عن الجاني.

التعزير: 

أما الأمر بالتعزير فقد جاء على عكس ما قلناه، فالشريعة الإسلامية قد وضحت ما يعتبرُ معصية، وأنها قالت بعقوبات تعزيرية مختلفة، وأن القاضي الذي يحاكم متهماً في أي تهمةٍ من التُهمِ التي يجب فيها التعزير إذا توصل إلى إثبات هذه الجريمة قبله بما يقوم به من تحقيق، واقتنع بإدانته، فهو يختار له العقوبة أو العقوبات المناسبة من بين العقوبات التعزيرية، وتكون سلطته في ذلك واسعة.

الفرق بين الحد والقصاص والتعزير:

  • إن الحدود واجبة، وليس فيها عفو ولا إبراء ولا شفاعة ولا إسقاط لأي سبب من الأسباب والقصاص، وكذلك هو واجب لا يملك لصاحب الأمر إسقاطه سواء كان بعفوٍ أو شفاعة أو غير ذلك، إلا أن يتركه صاحب الحق فيه.
  • أما التعزير إذا كان من حق الله تعالى فإنها تجب إقامته كقاعدة، ولكن يجوز فيه العفو والشفاعة إن رؤيت في ذلك المصلحة، أو إذا كان الجاني قد انزجر بدونه، أما التعزير الذي يجب حقاً للأفراد، فيحق لصاحب الحق فيه أن يتركه بالعفو أو بغيره، وهو يتوقف على الدعوى، لكن إن طلبه صاحبه لا يكون لولي الأمر فيه عفو ولا شفاعة، ولا حتى إسقاط.
  • وأساس هذا الخلاف أن الحدود تكون خالصةً لله تعالى، أما القصاص هو من حق الأفراد، ولكن التعزير منه ما هو حق للفرد، ومنه ما هو حق لله تعالى.
  • إثبات الحدود والقصاص عند جمهور الفقهاء، يجب أن يظهر يا إما بالبينة أو بالاعتراف بشروطٍ خاصة ليس مجالها هنا، ولا يؤخذ فيها مثلاً بأقوال المجني عليه بصفته شاهداً، لا بالشهادة السماعية ولا باليمين، ولا بشهادة النساء، وهذا يكون بخلاف الحال في إثبات جرائم التعزير، مع تفصيل فيما هو حق الله، وما من حق الفرد ليس هنا له مجال.
  • أيضاً إن من الفروق بين الحد والتعزير عند الإمام الشافعي أن ما يحدث عن الحدّ من التلف هدرٌ، ولكن إذا حصل تلف من التعزير، فإنه يوجب الضمان، وقد استدل على ذلك بفعل عمر، إذا أرهب امرأة فأخمضت بطنها فألقت جنيناً ميتاً، فشاور عليّاً في الأمر، وحمل دية الجنين، أما من يتحمل الدية فيقال إنها تكون على عاقلة ولي الأمر، وقيل إنها تكون في بيت المال.
    فقد رأى الشافعية الإمام يحيى والإمامية قالوا إن دّية الجنين هنا في بيت المال، وهو قوي؛ لأنه خطأ، وخطأ الحكام في بيت المال، وقيل: أنها تكون على عاقلة الإمام. أما الإمام أبو حنيفة ومالك وأحمد فقد كان يرون أن من حدّه الإمام أو عزَرهُ ومات من ذلك، فقد هُدر دمه؛ لأن الإمام في الحالتين مأمور بالحد والتعزير، وإن فعلُ الأمر لا يتقيد بشرط السلامة.
  • ومن الفروق أيضاً، أن الحدّ لا يجب على الصبي، إذ يشترط لإقامة الحد أن يكون الجاني بالغاً، ومثله القصاص. أما التعزير فقد شرع على الصبي؛ لأنه تأديب، والتأديب للصبي يجوز، فقد قيل مع ذلك إن البلوغ معتبرٌ في التعزير.

شارك المقالة: