ما هي حكمة التشريع في حد القذف بالزنا دون الكفر؟

اقرأ في هذا المقال


تعريف حدّ القذف في الحدود:

القذف في الحدود: وهو الرمي الشخص بفاحشة الزنا أو اللواط. فمن اتهم إنساناً بالزنا أو سبّهُ به أو شتمهُ به فقد قذفه، والقذف محرّم بالإسلام، لا بل إنه من أكبر الكبائر والذنوب إذا كان المقذوف مُحصناً وعفيفاً عن الزنى.
فقال النبي صلّى الله عليه وسلم:”اجتنبوا السبع الموبقات أي المهلكات، قالوا يا رسول الله، وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرمَ الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات”رواه مسلم وبخاري.

حكمة التشريع في حد القذف بالزنا دون الكفر:

إن القاذف بالزنا لا سبيل للناس إلى العلم بتكذيبه، فجعل حد الفرية تكذيباً له، وتبرئة لعرض المقذوف، وتعظيماً لشأن هذه الفاحشة التي يجلد بها الشخص إذا رمى مسلماً وقذفه.
وأما من رمى غيره بالكفر فإذا شاهد حال المسلم واطلاع المسلمين عليها كافٍ في تكذيبه، ولا يلحق به العار من كذبه عليه في ذلك، ما يلحقه بكذبه عليه في الرمي بالفاحشة، ولا سيما إن كان المقذوف امرأة فإن العارُ والمعرة التي تلحقها بقذفه بين أهلها وتشعبُ ظنونِ الناس وكونهم بين مصدقٍ ومكذبٍ لا يلحق مثله من الرمي بالكفر.
ويرى ابن القيم رحمه الله أنه يرد دعوى التفريق بين الحد بالرمي بالزنا دون الرمي بالكفر، بإبراز حكمة التشريع في حد القذف ومدارها على عدم القدرة من المقذوف بنفي ما رمى به من الزنا فجعلوا حد القذف تكذيباً للقاذفِ، وتبرئةً للمقذوف، وتعظيماً لشأن هذه الفاحشة التي تبهرج المجتمع، وتلطخهُ بالعار والمعرة.
ولهذا عظم الله تعالى سبحانه معصية القذف بعشر آيات متتاليات من سورة النور، وذلك نفياً لقصة الإفك على السيدة عائشة رضي الله عنها؛ فقال الله تعالى:” إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ ۚ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ ۚ وَالَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ” النور:11.
فقال الزمخشري، أنه لم يقع في القرآن من التغليظ من معصية ما وقع في معصية الإفك بأقل عبارة وأشنعها؛ وذلك لاشتماله على الوعد الشديد والعتاب البليغ والزجر العنيف واستعظام القول في ذلك، وإظهار شناعته بطرقٍ مختلفة وأساليب متنوعة كلُ واحدٍ منها كاف في بابه بل وقع منها من وعيد عبدة الأوثان إلا بما هو دون ذلك. وما هذا إلا إظهار منزلة رسول الله وعلوها وتطهيرها من هو بسبيل. وهذا طرفٌ من حكمة التشريع الواجبة للتفريق فيما بين الرمي بالزنا، والرمي بالكفر بالحدّ الأول دون الثاني.


شارك المقالة: