راتبة صلاة الظهر:
ويتعلق بهذه الراتبة المسائل التالي وهي ما يلي: حكمها ووصفها وفضلها ومن فاتتهُ الأربعُ قبل الظهر، ومن فاتتهُ الركعتان بعد الظهر وسنوضح كل واحدةٍ منها:
– أولاً: حكمها: إنّ راتبة صلاة الظهر من السنن المستحبة التي ثبتت عن الرسول عليه الصلاة والسلام قولاً وفعلاً. ولم يأتِ ما يدلُ على وجوبها.
ثانياً: وصفها وفضلها: إنّ راتبة الظهر إما أن تُصلّى أربعاً قبل صلاة الظهر وأربعاً بعدها، وإما أن تصلّى أربعاً قبل صلاة الظهر واثنتين بعدها، أي ذلك فعل المسلم بنيةٍ راتبة صلاة الظهر، أجزأهُ، وكان مؤدياً هذه السنة. والدليل على مشروعية هذه الصفة الأحاديث الآتية:
– عن أم حبيبة؛ قالت:سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “من حافظ على أربع ركعاتٍ قبل الظهر وأربع بعدها، حرّمهُ الله تعالى على النار” أخرجه الترمذي. والحديث هنا يدلُ على استحباب صلاة أربع ركعات قبل الظهر، وأربع ركعاتٍ بعد الظهر، والمحافظة عليها.
– عن عبد الله بن شقيق، قال: “سألت عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تطوعهِ؟ فقالت: كان يُصلّي في بيتي قبل الظهر أربعاً، ثم يخرج فيُصلّي بالناس، ثم يدخلُ فيُصلّي ركعتين، وكان يُصلّي بالناس المغرب، ثم يدخل فيُصلي ركعتين، ويُصلّي بالناس العِشاء، ويدخل بيتي فيُصلّي ركعتين، وكان يُصلي من الليل تسع ركعاتٍ فيهن الوتر، وكان يُصلّي ليلاً طويلاً قائماً وليلاً طويلاً قاعداً، وكان إذا قرأ وهو قائم؛ ركع وسجد وهو قائم، وإذا قرأ قاعداً، ركع وسجد وهو قاعد، وكان إذا طلع الفجر، صلّى ركعتين” أخرجه مسلم.
– وتقدم في فضل السنن والرواتب حديث أم حبيبة، قالت: سمعتُ الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: “ما من عبدٍ مسلم، يصلي لله كل يوم ثنتي عشرة ركعةٍ تطوعاً غير فريضةٍ، إلا بنا الله له بيتاً في الجنة”.
– ثالثاً: من فاتتهُ الأربع قبل الظهر: لقد ورد عن الرسول عليه الصلاة والسلام، أنه كان إذا فاتتهُ الأربع قبل الظهر؛ صلّاهنّ بعد صلاة الظهر. فعن عائشة: “أن النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا لم يصلّ أربعاً قبل الظهر صلاهنّ بعدها” أخرجه الترمذي. والحديثُ هنا يدلُ على أن ما فاتتهُ الأربعُ الركعات قبل الظهر؛ صلّاهن بعد فرض الظهر مطلقاً.
– رابعاً: من فاتتهُ الركعتان بعد الظهر: عن كُريبٍ مولى ابن عباس؛ أن عبد الله ابن عباس وعبد الرحمن بن أزهر والمِسور بن مخزمة أرسلوه إلى عائشة زوج النبي عليه الصلاة والسلام، فقالوا: “أقرأ عليها السلام منا جميعاً، وسلها عن الركعتين بعد صلاة العصر، وقل: إنّا أخبرنا أنّك تُصَلّينهما، وقد بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنهما، قال ابن عباس: وكنت أضرب مع عمر بن الخطاب الناس عليها؟ قال كُريبٌ، فدخلتُ عليها وبلّغتها ما أرسلوني به، فقالت: سل أم سلمة، فخرجت إليهم، فأخبرتهم بقولها، فردوني إلى أم سلمة بمثل ما أرسلوني به إلى عائشة، فقالت أم سلمة سمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ينهى عنهما ثم رأيتُه يصلِّيهما أمَّا حينَ صلَّاهما فإنه صلى العصر ثم دخل وعندي نسوةٌ من بني حرامٍ من الأنصارِ فصلَّاهما فأرسلتُ إليه الجاريةَ فقلت قومي بجنبِه فقولي له تقول أم سلمةَ يا رسولَ اللَّهِ أسمعك تنهى عن هاتينِ الركعتينِ وأراكَ تصلِّيهما فإن أشار بيدِه فاستأخري عنه قالت ففعلتِ الجارية فأشار بيده فاستأخَرَت عنهُ فلما انصرفَ قالَ يا بنت أبي أميَّة سألت عنِ الركعتينِ بعد العصرِ إنه أتاني أناسٌ من عبد القيسِ بالإسلامِ من قومِهم فشغلوني عنِ الركعتينِ اللتينِ بعدَ الظُّهرِ فَهما هاتانِ” أخرجه البخاري وهو حديث صحيح.
فالحديثُ يدلُ على مشروعية قضاء سنة الظهر البعديةِ إذا فاتتا. فإن قيل: ذُكر في الحديث أنّ أم سلمة قالت: “يا رسول الله، سمعتك تنهى عن هاتين الركعتين وأراك تصليهما” وهذا يقتضي النهي عن تلك الركعتين. فالجواب، هو الظاهر من الحديث أن النهي عن هاتين الركعتين بعد العصر إنما هو لمن داوم عليهما ظناً أنها سنة”. ونرى هنا أنه ذكر في الحديث نفسه أنّ السيدة عائشة رضي الله عنها كانت تصليهما: “اقرأ عليها السلام منا جميعاً وسلها عن الركعتين بعد العصر، وقل: إنّا أخبرنا أنك تصلينهما، فقالت السيدة عائشة، سل أم سلمة، فلو كان المراد من النهي عن الركعتين بعد العصر على الإطلاق، ما صلتهما عائشة”.
ودل هذا أيضاً على النهي عن الصلاة عند غروب الشمس، ومفهومه أن الصلاة بعد العصر والشمسُ بيضاء نقية غير داخل في النهي، وهذا المفهوم جاء منطوقاً في حديث عن علي بن أبي طالب مرفوعاً: “نهى عن الصلاة بعد العصر؛ إلا والشمسُ مرتفعةً” أخرجه أبو داود.