شروط صلاة الجمعة:
تنقسمُ شروط صلاة الجمعة إلى ثلاثةِ أقسامٍ وهي: شرط وجوب وصحة معاً، وشروط وجوب فقط، وشروط صحة فقط.
أما الأول: ويشتمل الشرط الاول على الوجوب والصحة معاً، والشي الذي اتفقوا عليه هو دخول الوقتِ فلا تجب الجمعة، ولا تصح إذا فعلت في غير وقتها، وأن وقتها عند الجمهور هو في حين وقت صلاة الظهر، وقام الحنابلة وخالفوا في مبدئهِ فقالوا: أنه يبدأ من بعد طلوع الشمس والأفضل عندم أن يؤدوها بعد الزوال.
وهناك أمران فيهما اختلاف وهما:
الأول: وهو المكان الذي تقام فيه صلاة الجمعة،فقجد اشترط الحنفية للوجوب والصحة معاً المصر، والمقصود بالمصر عندهم وهي البلدة التي فيها سلطان أو نائبه لإقامة الحدود وتنفيذ الأحكام، ويلحق بالمصر عندهم ضواحيه وأفنيتهِ والقرى المنتشرة حوله، ولم يشترط الفقهاء الآخرون هذا الشرط بهذه الهيئة، فالشافعية قد اكتفوا باشتراط إقامتها في خطة أبنية، سواء كانت من بلدة أو قرية. أما المالكية فإنهم ينحون منحاً قريباً من هذا فقد اشترطوا أن تُقام أن تقام في مكان صالح للاستيطان، فتصح إقامتها عندهم في المكان الذي فيه الأبنية والأخصاص “أي البيوت المبنية من الخشب أو سعف النخيل” لاتخاذها عادة للاستيطان فيها مدة طويلة، وصلاحيتها لذلك ولا تصح في المكان الذي كل مبانيه خيم لعدم اتخاذها للاستيطان عادة وعدم صلاحيتها لذلك.
وأما الحنابلة فلا يشترطون شيئاً من هذا، فتصحُ عندهم في الصحراء وتصحُ أيضاً بين مضاربِ الخيام، والأمرُ الأصحُ في هذه المسألة هو أن الجمعة تصح في كل مكان حصل فيه اجتماع الناس واسمها مشتق من ذلك، ولا يشترط المصر بل تصح في المدن والقرى وقد بوب البخاري بما يقتضي ذلك فقال: إن باب الجمعة في القرى والمدن. وذكر حديث ابن عباس أنه قال إن أول جُمعةٍ جَمعت بعد جُمعة جَمعت في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم في مسجد عبد القيس بجواثى من البحرين. وجواثي أولها جيم بعده واو ممدودة ثم ثاء مثلثة قرية من قرى البحرين قال الحافظ في الفتح ووجه الدلالة منه أن الظاهر أن عبد القيس لم يجمعوا إلا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم لما عرف من عادة الصحابة من عدم الاستبداد بالأمور الشرعية في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولأنه لو كان ذلك لا يجوز لنزل فيه القرآن.
وعن أبي هريرة “أنهم كتبوا إلى عمر رضي الله عنهما يسألونه عن الجمعة فكتب إليهم جمعوا حيث كنتم” أخرجه بن أبي شيبة وصححه ابن خزيمة كما قال الحافظ وهذا الأمرُ يشمل المدن والقرى.
وروى البيهقي في سننه عن الوليد ابن مسلم قال سألت الليث ابن سعيد كل مدينة أو قرية بها جماعة وعليه أمير أمروا بالجمعة فليجمع بهم فإن أهل الإسكندرية ومدائن مصر ومدائن سواحلها كانوا يجمعون الجمعة على عهد عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله عنهما بأمرهما وفيها رجالٌ من الصحابة.
ثم قال البيهقي بعد أن نقل جملة من الآثار عن الصحابة فمن بعدهم في هذا المعنى قال: ”والأشبه بأقاويل السلف وأفعالهم إقامة الجمعة في القرى التي أهلها أهل قرار وليسوا بأهل عمود ينقلون”. بل أن بعض أهل العلم صححها من أهل البادية مستدلين بما روى عبد الرزاق بإسناد صحيح كما قال الحافظ عن ابن عمر أنه كان يرى أهل المياه بين مكة والمدينة يجمعون فلا يعيب عليهم.
الثاني: إذن السلطان في إقامتها، وهذا الشرط عند الحنفية فقط، ولم يشترطه غيرهم غير أن المالكية يرون أنه يندب استئذانه أولاً فإن منع وأمن شره لم يلتفت إلى منعه وأقيمت وجوباً. ولا دليل من الكتاب أو السنة على اعتبار هذا الشرط.
النوع الثاني: إن من شروط الجمعة أيضاً هو شرط الوجوب فقط ونستنتجهُ في خمسة أمورٍ منها ما يلي:
- الإقامة في المكان الذي تقام فيه الجمعة سواء كانت الإقامة دائمة أو مؤقتة تقطع حكم السفر.
- الذكورة، فلا تجب على النساء أن يخطبن بصلاة الجمعة أو أن يخرجن إليها كالرجال، فمسجدُ المرأة هو بيتها.
- الحرية، فلا تجب على العبد لانشغاله بخدمة سيده.
- صحة البدن وخلوه مما يشق معه عادة الخروج لشهود الجمعة في المسجد، كمرض وألم شديدين، ودليل ما تقدم هو ما أخرجه أبو داود عن طارق ابن شهاب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة عبد مملوك، أو امرأة، أو صبي، أو مريض”.
– سقوطها عن المسافر وأما سقوطها عن المسافر فلما أخرجه البهقي والدار قطني وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فعليه الجمعة إلا مريضاً أو مسافراً أو امرأة أو صبياً أو مملوكاً”. وللحديث شواهد كثر. وألحقوا بالمريض ممرضهُ الذي يقوم بأمره، ولا يجد من ينوب عنه ممن لا تجب عليه.
- السلامة من العاهات المقعِدة، كالشيخوخة الشديدة والعمى، فإن وجد الأعمى قائداً متبرعاً أو بأجرة معتدلة وجبت عليه عند الجمهور.وذلك أيضاً بالإضافة إلى العقل والبلوغ والإسلام كما هو مشترطٌ في سائر العبادات.
النوع الثالث: من شروط الجمعة هو شرط الصحة فقط، ونستنتجهُ في أربعة أمور:
– خطبةٌ تتقدمُ على الصلاة مما يُطلق عليها اسم خطبةٌ مشتملة على حمدٍ وذكرٍ وتذكيرٍ وتسبيحٍ وغير ذلك.
– الجماعة، وهو أن لا يوجد خلافٍ في أصل هذا الشرط، وإنما الخلافُ بين الفقهاء فيما يتحقق به؟ على ثلاثة مذاهبٍ مشهورة: وهي الشافعية والحنابلة، والذين لا يجب أن لا يقل المجمعون عن أربعين رجلاً ممن تجب عليهم الجمعة، والثاني للمالكية والثالث للحنفية، أنها تنعقدُ بالإمام وثلاثةٍ معه.
وهنالك أراء أخرى لبعض أهل العلم واردةٌ في المطولات، وقد ذكر الحافظ ابن حجر خمسة عشرة قولاً وليس لشيء منها مستندٌ تقوم به الحجة على اشتراطهِ بعينه، ولذلك نصّ جماعة من الأئمة على أن المُشترط هو حصول ما يسمى جماعة عرفاً، من غير تعيين عددٍ معين، لعدم ثبوت تعيينه من الشارع .
– أن لا تتكررصلاة الجمعة في المكان الواحد لغير حاجة أو ضرورةٍ، وكان هذا مذهب الجمهور، وهو الأرجح؛ لأن الجمعة شرعت لاجتماع الناس عليها حسب الإمكان فلو صلت كل طائفة في مسجدها مع إمكان اجتماعهم في مسجد واحد لم يحصل المقصود منها.
– لقد اشترط الحنفية أن يكون المكان الذي تُقام فيه الصلاةُ مأذوناً فيه إذناً عاماً، بحيث أنه يكون متاحاً للجميع، فهذا هو ملخص شروط الجمعة التي ذكرها الفقهاء، وفي بعضها خلاف ومنهم من زاد غيرها. والحق أنه لا عبرة به منها إلا ما قام دليل من كتاب أو سنة أو إجماع عليه، وما سوى ذلك فالجمعة فيه مثل غيرها من الصلوات.