عدّة الكتابية أو الذميّة:
اتفق الفقهاء على أنّ عدّة الكتابيّة أو الذمية في الفسخ، أو الطلاق، أو حالة الوفاة مثل عدّة المسلمة، وهذا قول المالكية والحنفية والحنبلية والشافعية والثوري أبي عبيد، ودليلهم على ذلك:
1. عموم الأدلة الموجبة للعدّة بلا فرق بينهما، بشرط أن يكون الزوج مسلماً.
2. إنّ العدّة تجب بحق الله تعالى، وبحق الزوج، فقال الله تعالى:” فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا ۖ ” الأحزاب:49.
3. إنّ المرأة الكتابية أو الذميّة مخاطبة بحقوق العباد، ففي هذه الحالة تجب عليها العدّة، وتُجبر عليها لأجل حق الزوج والولد؛ لأنها من أهلِ إيفاء الحقوق.
واختلفوا فيما إذا كانت الذميّة تحت ذميّ وذلك على رأيين:
الأول: أنه لو طلّق الذميّ الذمية أو توفّي عنها، فلا عدّة عليها إذا كان دينهم لا يعترف بذلك، ويحقُ لها بأن تتزوج
فور طلاقها، وهذا قول الحنفية والشافعية والمالكية، واستدلوا على ذلك بأن العدّة لو وجبت عليها إما أن تجب بحق الله تعالى أو بحق الزوج، ولا سبيل إلى إيجابها بحق الزوج، وذلك لأنه لا يعتقد حقاً لنفسه، ولا وجه لإيجابها بحق الله تعالى؛ لأن العدّة فيها معنى القربة، وهي غير مخاطبة بالقربات.
وقد استثنوا من ذلك أن تكون حاملاً، لأنها تُمنع من النكاح؛ لأن وطء الزوج الثاني يوجب اشتباه النسب، وحفظ النسب هو حق الولد، فلا يجوز حرمانه من حقه، فكان على الحاكم استيفاء حقه بالمنع من الزواج حتى تضع الحمل. إلا أن المالكية نصّوا على أن الذميّة الحرة غير الحامل إذا كانت تحت زوجٍ ذميّ مات عنها أو طلّقها، وأراد مسلم أن يتزوجها أو ترافعا إلينا وقد دخل بها فعدتها ثلاثة قروء، وإن لم يكن دخل بها بقيت مكانها من غير شيء.
الثاني: إنّ العدّة واجبةٌ على الذميّة حتى لو كانت تحت ذميّ، فالذميّة من دار أهل الإسلام، فإنه يجري عليها ما يجري على المسلمين من أحكام الدين الإسلامي، وهذا قول الحنابلة وأبي يوسف ومحمد لعموم الآيات الواردة في العدّة، ولأنها بائن بعد الدخول شبهة بالمسلمة، فعدّتها كعدة المسلمة، ولأنها معتدّة من الوفاة شابهة المسلمة.
فالرأي الراجح في هذه المسألة أنّ هذه المسائل الخاصة بغير المسلمين، ولا علاقة لها بالأحكام الشرعية،
لأنّ الكفار وإن قيل بأنهم مخاطبون بفروع الشريعة، إلا أنهم مخاطبون قبلها بأصولها، ولا يصحّ فرعٌ دون أصله.
ولكن مع ذلك فإنّ لهذه المسألة جانبٌ عملي متعلّق بالمسلمين، وهو أن الكتابيّة إذا طُلّقت من زوجها، لا يتزوجها شخصٌ مسلم إلا بعد أنّ تنتهي عدّتها على عدّة المسلمة، بل يكتفو بعدّتها باستبراء الرحم من الحمل.