ما هي علاقة ابن صياد والصحابة الكرام؟

اقرأ في هذا المقال


ما هي علاقة ابن صياد والصحابة الكرام؟

عن أبي سعيد الخُدري رضي الله عنه قال: “خرجنا حجاجاً أو عماراً ومعنا ابن صائد. قال: فنزلنا منزلاً فتفرق الناس وبقيت أنا وهو، فاستوحشت منه وحشة شديدة ممّا يقال عليه، قال وجاء بمتاعه فوضعه مع متاعي. فقلت: إن الحرّ شديد. فلو وضعته تحت تلك الشجرة، قال: ففعل، قال: فرفعت لنا غنم، فانطلق فجاء بعس، فقال: اشرب أبا سعيد، فقلت: إن الحر شديد واللبن حار، ما بي إلا أني أكره أن أشرب عن يده أو قال آخذ عن يده، فقال أبا سعيد! لقد هممت أنّ آخذ حبلاً فأُعلقه بشجرة ثم أختنق مما يقول لي الناس، يا أبا سعيد! من خفي عليه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ما خفي عليكم معشر الأنصار! ألست من أعلم الناس بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هو كافر وأنا مسلم؟ أو ليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هو عقيم لا يولد له، وقد تركت ولدي بالمدينة؟ أو ليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدخل المدينة ولا مكة وقد أقبلت من المدينة وأنا أريد مكة؟ قال أبو سعيد الخدري: حتى كدت أن أعذره، ثم قال: أما والله إني لأعرفه وأعرف مولده وأين هو الآن. قال: قلت له: تباً لك سائر اليوم” أخرجه مسلم في الفتن.
وفي روايةٍ قال ابن قال ابن صائد لأبي سعيد رضي الله عنه: “والله ما أنا بالدّجال، ولكن والله لو شئت لأخبرتك باسمه واسم أبيه وأمه واسم القرية التي يخرج منها”. أخرجه أحمد.
وفي رواية قال ابن صائد: “والله إني أعلمُ النّاس بمكانهِ السّاعة”. أخرجه أحمد.

بيان دلالة الحديث:

إنّ الآثار واضحة الدلالة في أنّ ابن صياد هو أحد الدّجالين، وله أحوال شيطانية، وأنه غير معذور فيما يدعيه، ففي اللحظة التي كاد فيها أبو سعيد رضي الله عنه أنّ يعذره صرح بأنهُ يعرف مولد الدّجال واسمهُ واسم والديه ومكان خروجه، ولا نعلم هل كلامه من باب الدّجل الذي يحاول تسويقه على الغير، أم حصلت له هذه المعرفة من خلال تابعيهِ من الشياطين، ولا نعلم دافعهُ من الحديث عن معرفته لمكان الدّجال واسمهُ، هل هو استدراج لأبي سعيد لكي يستفهم منه والصحابة كان عندهم تشوفٌ وحرص لمعرفة كل شيء عن الدّجال، أم هو إظهار لخوارقهِ وقدراته الخاصة، أم هي غفوة كلّ دجال ليستبين من حوله حقيقة دجلهِ، أم هناك نوع اتصال بين دّجال المدينة والدّجال الأكبر، كما أنّ هناك اتصالاً بين إبليس وأتباعه من سرايا الشياطين.
يتضحُ أيضاً من سياق القصة أنّ أكثر الصحابة كانوا يعتقدون أن ابن صياد هو الدّجال، وإذا أضفنا إلى ذلك أنه لم يرد في ظنّ أيّ صحابي أنه كان يرى عكس ذلك، أي أنه ليس الدّجال، وبالتالي نجد بعض الناس أنفسها أمام جمعٌ من الصحابة يعتقدُ، بل بعضهم يقسم على أنّ ابن صياد هو الدّجال، ولم يصلنا في حدود علمي أيّ أثر منهم يُنكر ذلك، فأشبهت القضية الإجماع السكوتي من الصحابة الكرام.
ومن الملاحظ من سياق قصة أبي سعيد الخدري أنّ ابن صائد كان يتفنن في الدّجل على من حوله، ويتصور من سياق القصة أنّ ذلك وقع إما في عهد أبي بكر رضي الله عنه، وإما في عهد عمر رضي الله عنه. والسؤال الذي يُطرح هنا لماذا لم يقم أحد الخليفتين بتعزيره على ذلك؟ الجواب أنه بالرغم من أن تصرفهُ يشيع الفتنة بين المسلمين، ولئن لم يكن الدّجال، وثبت ذلك عند الخليفتين، ووقع منه دجل، فهناك دواعي لمعاقبة من قبل الحاكم المسلم، ولئن كان هناك مانع من معاقبته في عهد النبي عليه الصلاة والسلام مثل صغر سنّ ابن صياد أو بسبب وجود معاهدات بين المسلمين ويهود المدينة، فهذه الموانع انتفت في عهد الخليفتين، ومن تتبع المسألة يجدُ أنهُ لم يردنا أي شيءٍ عن محاسبة ابن صائد على دّجله، وعدم وقوع هذه المحاسبة فيه دلالةً على أنّ هناك سبباً قوياً غير معهود في امتناع الخليفتين عن ذلك مع انتفاء الموانع الظاهرة وتوفر الدواعي لذلك، فما هو هذا السبب.
المفارقات التي ذكرها ابن صياد بينه وبين الدّجال الأكبر لها أهميتها في هذا المقام وهي مرجحةً لكون ابن صياد ليس الدّجال الأكبر، ولكنها غير جازمةٍ؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام أخبر مثل هذه الأوصاف عن الدّجال الأكبر بأنه لا يدخل مكة والمدينة، وأنه لا يولد له ولدٌ حين خروجه، وهذا لا ينفي وقوعه قبل ذلك، يقول ابن حجر: أما احتجاجاته أي المقصود ابن صياد؛ بأنه مسلم إلى سائر ما ذكر، فلا دلالة له على دعواه؛ لأنّ النبي عليه الصلاة والسلام إنما أخبر عن صفاته وقت خروجه آخر الزمان.


شارك المقالة: