فضل السنن والرواتب:
إن المقصود بالسنن الرواتب، هي السنن المترتبة على فرائض الصلاة، وعلى الصلوات المفروضة، فالنبي عليه الصلاة والسلام فرض عليه وعلينا خمسُ صلواتٍ في اليومِ والليلة، وهي الصبح والظهر والعصر والمغرب والعِشاء. فصلاةُ الفجر ركعتان، والظهر أربع، والعصر أربع أما المغرب ثلاث، والعشاء أربعة، وتسمى الفرائض الخمس، فقد كانت في الأول خمسون صلاةٍ ثم خُفف الأمر علينا وصارت خمساً، خمسٌ في العمل مضروب في عشر أمثالها فتكون خمسون في الأجر بفضل الله عز وجل. فالرسول صلى الله عليه وسلم من حبه في الصلاة وكما قال “وجُعِلَت قرَّةُ عيني في الصَّلاةِ” صححه ابن القيم.
لقد وردت في فضل السنن والرواتب أحاديث: منها في فضل السنن الرواتب على الإجمال، ومنها في فضل بعض أفرادها، ومن ذلك ما يلي:
أولاً: ما جاء عن أم حبيبة زوج النبي عليه الصلاة والسلام، أنها قالت: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “ما من عبدٍ مسلمٍ يُصلّي لله كل يوم ثنتي عشرة ركعةٍ تطوعاً، غير فريضةٍ، إلا بنى الله له بيتاً في الجنة، أو: إلا بني له بيت في الجنة” أخرجه مسلم.
وفي روايةٍ للترمذي والنسائي فسّر هذه الركعات: أربعُ قبل الظهر وركعتين بعد الظهر، وركعتين بعد المغرب وركعتين بعد العِشاء وركعتين قبل الفجر. حديث صحيح. يُقال والحديث يدل على استحباب المثابرة على صلاة ثنتي عشرة ركعةٍ تطوعاً كل يوم.
ومن حافظ على السنن والرواتبِ، فقد دخل في هذا الفضل المذكور في هذا الحديث، إذ إنه يُصلي قطعاً في كل يوم اثنتي عشر ركعة وأكثر. ففي الحديث فضيلة المحافظة على السنن والرواتب عموماً والمذكورة في الحديث خصوصاً. وقد ثبت فعل الرسول صلى الله عليه وسلم للسن والرواتب، فاجتمع لها القول والفعل منه عليه الصلاة والسلام.
ثانياً: عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: “حفظتُ من النبي عليه الصلاة والسلام عشر ركعاتٍ: ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب في بيته، وركعتين بعد العِشاء في بيته، وركعتين قبل صلاةِ الصبحِ، وكانت ساعة لا يُدخل على النبي عليه الصلاة والسلام فيها، حدثتني حفصةُ: أنه إذا أذن المؤذن وطلع الفجر، صلّى ركعتين”. وفي رواية للبخاري ومسلم ونحوهم زيادة: “وسجدتين بعد الجمعة”.
وصف السنن الراتبة وأحكامها:
يشتمل هذا الأمر على بيان السنن الراتبة لكل صلاة من الصلوات الخمس المفروضة من خلال خمسة أمور لكل صلاةٍ أمر يتعلق براتبتها ومنها ما يلي:
1-راتبة صلاة الفجر: ويتعلق بهذه الراتبة عدة مسائل منها، حكمها ووصفها وفضلها وتخفيفها وما يُقرأ فيها والاضطجاع بعدها ومن فاتته ونبدأ الكلام بما يلي:
- حكم صلاة الفجر: إن راتبة الفجر من آكد السنن الراتبة، وكان عليه الصلاة والسلام يتعاهدها ولا يدعها في حضرٍ ولا سفرٍ. ولم يصحُ وجوبها. والدليل على صلاة الرسول عليه الصلاة والسلام لركعتي الفجر في السفر: ما ثبت عن أبي مريم، قال: “كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفرٍ، فأسرينا ليلة، فلما كان في وجه الصبح، نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنام ونام الناس، فلم نستيقظ إلا بالشمس قد طلعت علينا، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤذن فأذن، ثم صلّى الركعتين قبل الفجر، ثم أمرهُ فأقام، فصلّى بالناس، ثم حدثنا بما هو كائن حتى تقوم الساعة” حديث صحيح لغيره. والحديث يدل على أنه عليه الصلاة والسلام كان يُصلي صلاة راتبة الفجر مع صلاة الفجر في السفر. كم ويدلُ على مشروعيتها صلاتها عند فوات صلاة الفجر عن وقتها؛ فإنه يُشرع في صلاة راتبة الفجر ثم صلاة الفجر كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
- ووصفها وفضلها: إن راتبة الفجر ركعتان، تُصليان قبل صلاة الفجر، وقد ورد في فضلها أحاديث منها، عن عائشة عن النبي عليه الصلاة والسلام، قال: “ركعتا الفجرخير من الدنيا وما فيها، لهما أحب إليّ من الدنيا جميعاً” أخرجه مسلم. وهذا الحديث يدلُ على استحباب ركعتي الفجر والترغيب فيهما.
- تخفيفهما: لقد كان من هديهِ عليه الصلاة والسلام أن يخفف ركعتي الفجر، فلا يُطيل القراءة فيهما، ومن الأحاديث الدالة على ذلك هو حديث ما جاء عن أم المؤمنين حفصة، قالت: “إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سكت المؤذن من الأذان لصلاة الصبح وبدا الصبح، ركع ركعتين خفيفتين قبل أن تقام الصلاة” أخرجه الشيخان.
- ما يُقرأ فيهما: فعن أبي هريرة رضي الله عنه، “أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في ركعتي الفجر: “قُل يا أيّها الكافرون” الكافرون. “وقُل هو اللهُ أحد”. الإخلاص. ويُستحب قراة سورة الإخلاص في الركعة الأولى وسورة الكافرون في الركعة الثانية في ركعتي الفجر.
- الاضطجاع بعدهما: ويُستحب للمسلم إذا صلّى راتبة الفجر في البيت أن يضطجع على شقهِ الأيمن، وذلك لما ورد عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا صلّى أحدكم ركعتي الفجر فليضطجعُ على شقهِ الأيمن” أخرجه البخاري. والحديث يدلُ على مشروعية الاضطجاع بعد ركعتي الفجر، وفيه دلالةٌ على الوجوب، إذ هذا هو مقتضى الأمر. أما صرفهُ عن الوجوب إلى الاستحباب هو حديث عائشة رضي الله عنها: “أن النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا صلّى سنة الفجر، فإن كانت مستيقظة حدثني، وإلا اضطجع حتى يؤذن بالصلاة” أخرجه البخاري. فهذا الحديث فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يترك أحياناً الاضطجاع على شقهِ الأيمن بعد صلاة راتبة الفجر، ولو كان واجباً ما تركهُ. ودعوى الخصوصية وغيرها لا تُثبت إلا بدليلٍ، والأصل العموم، والعمل بجميع ما ورد عنه عليه الصلاة والسلام أولى من العمل ببعض دون بعض. وهنا الحديث يدلُ على مشروعية الاضطجاع على الجانب الأيمن. وحديثُ أبي هريرة مُطلق: فإن صلّى راتبة الفجر في المسجد اضطجع في المسجد، وإن صلاها في البيت، اضطجع في البيت، لكن لم يُنقل عنه عليه الصلاة والسلام ولا الصحابة رضي الله عنهم أنهم فعلوا ذلك.
- من فاتتهُ ركعتا الفجر: يُشرع لمن فاتته ركعتا الفجر أنّ يُصليهما بعد صلاة الفجر مباشرةً أو بعد طلوع الشمس، والأفضل أنّ يُصليهما بعد طلوع الشمس. فعن أبي هريرة رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من لم يصل ركعتي الفجر، فليُصليهما بعدما تطلع الشمس” أخرجه الترمذي. فقالوا إن ظاهر هذا الحديث وجوب صلاة راتبة الفجر، إذا فاتنا بعد طلوع الشمس، لكن هذا اللأأمر مصروفٌ إلى الاستحباب..
فعن قيس بن قهد رضي الله عنه، أنه صلّى مع رسول الله عليه الصلاة والسلام الصُبح ولم يكن ركع ركعتي الفجر، فلما سلّم رسول الله صلى الله عليه السلام سلّم معه، ثم قام فركع ركعتي الفجر، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إليه، فلم يُنكر ذلك عليه. أخرجه الترمذي.