فوائد الخشوع في الصلاة:
الخشوع في الصلاة له فؤائد كثيرة ومن أهم هذه الفؤائد ما يلي:
1- الخشوع يجعل الصلاة محبوبتةً يسيرةً على المصلي:
فقال الله تعالى : “واستعين في الصبر والصلاة وإنها لكبيرةٌ إلى على الخاشعين-الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وأنهم اليه راجعون” البقرة 45:46.
قال الإمام السعدي رحمه الله: إن الصلاة هي التي تكون كبيرةً وشاقةٌ، إلّا على الخاشعين، فإنها سهلةٌ عليهم وخفيفةٌ؛ وذلك لأن الخشوع والخشية من الله ورجاء ما عنده، فعليه أن يتوجب إلى فعلها منشرحاً صدره وترقبه للثواب وخوفه من العقاب بعكس من لم يكن كذلك؛ فإنه لا داعي له يدعوه إليها، وإذا فعلها صارت من أثقل الأشياء عليه؛ ولهذا قال: الذين يظنون: أي بمعنى يستيقنون، ومعنى أنهم ملاقو ربهم: أي يجازيهم بأعمالهم وقوله أيضاً وأنهم إليه راجعون: أي أن هذا الذي خفف عليهم العبادات، وأوجب لهم التسلّي في المصيبات، ونفس عنهم الكربات وزجرهم عن فعل السيئات، فهؤلاء لهم النعيم المقيم في الغرفات العاليات، وأما من لم يؤمن بلقاء ربه كانت الصلاة وغيرها من العبادات من اشق شيء عليه.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمرٌ صلّى، فعن حذيفة رضي الله عنه قال: “كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمرٌ صلى”. رواه ابو داود.
2- الخشوع في الصلاة يجعلها تنهى عن الفحشاء والمنكر:
قال الله تعالى: “اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ” العنكبوت:45. إن الله تعالى أمر بتلاوة كتابه الكريم، وأتباع ما يأمر به وأن نتبعد عما ينهانى عنه والاهتداء بهداه، وأن نصدق أخباره، وتدبُر أموره ومعانيه، وتلاوة ألفاظه، فإذا كان هذا معنى تلاوة الكتاب، عُلم أن إقامة الدين كلّه داخله في تلاوة كتاب الله تعالى، ويكون في قول: “وأقمِ الصلاة” وهذا من باب عطف الخاص على العام لفضل الصلاة وشرفها، وآثارها الجميلة، وهي: “إنّ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمُنكر” ووجه ذلك أن العبد المقيم لها، المُتمم لأركانها وشروطها، وخشوعها يستنير قلبه، ويتطهر فؤاده، ويزداد إيمانه وتقوى رغبته في الخير كله وتعدم رغبته في الشرّ فالبضرورة مداومتها والمحافظة عليها على هذذا الوجه تُنهي عن الفحشاء والمُنكر، فهذا أعظم مقاصدها وغاياتها.
فالخشوعُ في الصلاة: هو من الواجبات التي تجب لها، فحينئذٍ تنهى عن الفحشاء والمنكر: إذا قام بها العبدُ كاملةً بما يجب لها. وقد ثبت بأنه قيل للنبي عليه الصلاة والسلام: إن فلاناً يُصلي الليل كله، فإذا أصبح سرق، فقال: “سينهاهُ ما تقول” أو قال: ستمنعهُ صلاتهُ. فإن صلّى العبد المسلم الصلاة على الوجه الأمثل، بشروطها وواجباتها وأركانها والتدبر في قراءتها منعتهُ من أشكال الفحشاء والمنكر.
3- الخشوع الكامل يجلبُ البكاء من خشية الله والخوف منه:
ونحنُ نعرف أنً الخشوع الكاملِ في الصلاة يأتي بالبكاء من خشية الله تعالى، وإذا حصل هذا العمل الصالح كان من أسباب دخول الجنة ونجاتهُ من النار، وذلك بدليل حديث أبي هريرة رضي الله عنه: “لا يلجُ النار رجُلٌ بكى من خشية الله حتى يعودُ اللبنُ في الضرع ولا يجتمعُ غُبارٌ في سبيل الله ودُخان جهنم” رواه الترمذي.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه،عن النبي عليه الصلاة والسلام قال:“سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ تَعَالَى في ظِلِّهِ يَومَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ: إمَامٌ عَدْلٌ، وشَابٌّ نَشَأَ في عِبَادَةِ اللَّهِ، ورَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ في المَسَاجِدِ، ورَجُلَانِ تَحَابَّا في اللَّهِ، اجْتَمعا عليه وتَفَرَّقَا عليه، ورَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وجَمَالٍ فَقالَ: إنِّي أَخَافُ اللَّهَ، ورَجُلٌ تَصَدَّقَ بصَدَقَةٍ فأخْفَاهَا حتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ ما تُنْفِقُ يَمِينُهُ، ورَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا، فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ”. متفق عليه.
4- الخشوع في الصلاة يُعطي الصلاة معناها الحقيق: وهو التوجه والحضور بالقلب، والجسد بين يدي الله تعالى، والتقرب من الله بذلك.
5- الخشوع في الصلاة يُهون الوقوف على العبد يوم القيامة:
لقد قال الإمام ابن القيم رحمهُ الله: للعبدِ بين يدي الله موقفان: موقفٌ بين يديه في الصلاة، وموقفٌ بين يديه يوم لقائهِ، فمن قام بحق الموقف الأول هُون عليه الموقف الآخر، ومن استهان بهذا الموقف، ولم يُوفهُ حقهُ شُدد عليه ذلك الموقف، قال الله تعالى: “وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا – إِنَّ هَٰؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا” الإنسان:26-27.
6- الخشوع في الصلاة يُقرب العبد من ربه:
إن العبد ليستفيدُ من اللذة في مناجاةِ الله تعالى؛ وذلك لأن اللذة تابعة للمحبة وتقوى بقوتها، وتضعفُ بضعفها، فكلما كانت الرغبة في المحبوب والشوق إليه أقوى كانت اللذة بالوصول أتم.
7- الخشوع الكامل يزدادُ فيه الإيمان:
إنّ صفة الخشوع عند المًصلي تلينُ القلوب ويُورث الزهد في الدنيا والإقبال على الآخرة ويبعثُ في القلبِ المحبة والخير والرغبة فيه وكراهية الشر والنفور منه، وبهذا فالصلاة تكون ناهيةً عن الفحشاء والمنكر.
8- الخشوع في الصلاة يُزيل الهمّ عن القلب، ويشرح الصدر.
9- إن الخشوع في الصلاة تزيدُ المسلم حبّاً للصلاة حتى تكون هي أحبُ شيءٍ إلى النفسِ فتصبحُ قُرة العين وراحة النفس.
10- إن الخشوع أيضاً يفتحُ أبواب الفقهِ للعبدِ، والاستفادت من كلام الله تعالى:
فقال الله تعالى: “يَا أيّها الّذين آمنوا إنّ تتقوا الله يجعل لَكُم فُرقاناً” الأنفال:29.
11- فالخشوع أيضاً تفتح أبواب الدعاءِ للعبد، فيدعوا الله ويتضرعُ إليه، فكلما ازداد الخشوع كان ذلك أبلغ.
12- إّن الخشوع في الصلاة يجعلُ الله فيه شفاءً عاماً من الأوجاع قبل استحكامها: قال الإمام ابن القيم رحمهُ الله تعالى: “واستَعينوا بالصّبر والصلاةِ وإنها لكبيرةٌ إلّا على الخاشعين”.البقرة:45. وقال الله تعالى: “وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقاً نحنُ نرزُقُكَ والعاقبةُ للتقوى” طه:132.
لقد ذكر ابن القيم رحمه الله إن عُموم الاستشفاءِ بالصلاةِ من عامة الأوجاعِ قبل استحكامها. ففي الصلاةِ مجلبةٌ للرزق، وحافظة للصحة ودافعةً للبلاء ومُطردةٌ للأدواء، ومُقويةً للقلوب، مبيضةً للوجه ومُفرحة للنفس وتًبعد الكسل وتنشط البدن والجوارح تعطي القوة للإنسان تشرح به الصدور وتغذي الروح وتُنير القلب وتحفظُ النِعم وتُبعد النقم وتجلب البركة.
إنّ في الصلاةِ تأثيرُ عجيبٌ وغريب في دفعِ شُرور الدنيا، ولا سِيما إذا أعطيت حقها من التكميل ظاهراً وباطناً، فما استُدفعتُ شرور الدّنيا والآخرة، ولا استجلبت مصالحهما بمثل الصلاة، وسِرّ ذلك أنّ الصلاة هي صلةٌ بالله تعالى، وعلى قدر صلة العبد بربهِ تُفتح أبواب الخيرات، وتبتعد عنه الشرور وكل سببٍ يؤدي إليها، وتفيض عليه موادُ التوفيق من ربه تعالى والصحة والعافية والغنى والغنيمة، والراحة البدنية والأفراح والتوفيق من الله والمسرّات، فجميعها محضرةٌ إليه ومسارعةٌ إليه.