قصة الحواريين مع عيسى عليه السلام:
يُريد الله سبحانه وتعالى أن يوضح للمؤمنين قدر الخلاف بينهم وبين أهل الكتاب ليعرفُ كل مؤمن أن إيمانه برسالة النبي الخاتم تُعطيه منزلة الإيمان الرفيعة، وذلك على قدر صدق نيتهِ، وأداء واجباتهِ الدينيةِ بما فيها من عبادات ومعاملات، ويُنزهُ الحقُ عز وجل المؤمنين برسالة النبي محمد عليه الصلاة والسلام عن أن يكونوا في مستوى قوم موسى عليه السلام، هؤلاء القوم الذين تعتنوا مع موسى عليه السلام، وسألوه أسئلةً تدلُ على مدى إغراقهم في الماديةِ، وضعف إيمانهم بالغيب، وقد خاطب الله عزّ وجل المؤمنين بقوله تعالى: “أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَىٰ مِن قَبْلُ ۗ وَمَن يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ” البقرة:107.
فاللهُ تعالى لم يضع المسلمين موضع التشبيه المباشر بقومِ موسى عليه السلام، فالحقُ تعالى يُنزهُ المسلم أن يكون متشبهاً بواحد من القوم الذين ظنوا أن التمايز بالسلالةِ؛ ذلك لأنّ بعضاً من قومِ موسى عليه السلام قد ظنوا خطأً ووهماً، وتحريفاً للتوراةِ أنهم متميزون عن بقية خلق الله لمُجرد أنهم أبناء ليعقوب عليه السلام. فإن دين الإسلام الذي جاء به محمداً عليه الصلاة والسلام لا يضعُ تمايزاً لأحدٍ فوق أحد إلا بالإيمان، والعمل الصالح.
إن الذين طالبوا رسول الله صلّى الله عليه وسلم أنّ يأتيهم بالآياتِ والمعجزات، فهم الذين لم يقنعوا بما آتاهم الله من قرآنٍ مجيد يقنع ذوي الألباب، وقد أجرى الله تعالى سنةً في الخلق مع الرسل؛ فإذا طالب قوم الرسول المبعوث إليهم بآيةٍ معجزةٍ، فإن الحق يُرسلُ هذه الآيةِ، فإذا لم يؤمنوا استأصلهم بالعذاب بالعذاب؛ مثلما حدث مع قوم ثمود، فإنهُ أرسلَ إليهم فطلبوا منه آيةً فأعطاهم اللهُ معجزةً واضحةً وهي الناقةُ فكفروا بها، فكان ما كان من العذاب الذي أنزل الله عليهم.
ماذا طلب الحواريون من عيسى عليه السلام؟
حتى لقد طلب الحواريون من عيسى ابن مريم عليه السلام أن ينزل عليهم مائدة من السماء فأنزلها الحق وحذرهم من الكفر بعد ذلك حتى لا يعذبكم عذاباً لا يُعذبهُ لأحدٍ من العالمين وأقرأ قول الله تعالى: “إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ ۖ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ – قَالُوا نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ – قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ ۖ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ – قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ ۖ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَّا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ” المائدة:112-115.
إنّ محمداً عليه الصلاة والسلام يتلقى الأمر من ربه بأن يذر للناس قصة الحواريين أتباع عيسى ابن مريم عليه السلام عندما صاروا أصفياء، فسألوا عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام أن ينزل عليهم طعام من السماء فقال عيسى عليه السلام لهم :إن كنتم مؤمنين بالله فخافوه واطيعوه اوامره ونواهيه ،ولا تطلبوا حججاً أو آيات غير التي بعثني الله بها لكنهم: إننا نريد أن نأكل من هذه الماده؛ لتطمئن قلوبنا بما نؤمن به من قدرة الله، ونعلم عن رؤية مادية صدق ما أخبرتنا به عن الله سبحانه وتعالى، ونشهد لك بهذه المعجزه ولبا عيسى ابن مريم طلبهم ودعا الله قائلن: يا مالك كل أمر، أنزل علينا مائده من السماء يكون يوم نزولها عيداً للمؤمنين برسلك المتقدمين والمتأخرين معجزةً تؤيد بها الدعوة لمنهجك، وستجاب الحق وأنزل مائدةً من السماء وتوعد الحق بالعذاب أي جاحدٍ بهذه النعمه، بعد أن أنزلها، أن من يطلب آية لليمان بعد أنزل القران الكريم فهذا دليل على عدم تمكن الإيمان من قلبه.
وشاء الحق سبحانه وتعالى ألا يعذب أمة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما داموا يستغفرون الله كلما ألموا بالذنب، وفي ذالك جاء قول الله تعالى: “وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ” الأنفال :33 إن الحق سبحانه وتعالى قد فضل أمة محمد عليه الصلاة والسلام على الأمم، ووعد ألا يعذبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها، ذلك أن منهم من سوف يؤمن، ويستغفر الحق سبحانه وتعالى ولذلك لم يشأ أن ينزل الأيات التي طلبها بعض المتعنتين؛ لأن الحق عندما ينزل أية ثم يكذبها أحد بعد ذلك، فإن الحق يأخذه أخذ عزيز مقتدر.
لذلك يقول الله تعالى لأمثال هؤلاءِ المتعنتينِ: “أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَىٰ مِن قَبْلُ ۗ وَمَن يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ” البقرة:108.