ما هي قصة مؤمن آل فرعون؟

اقرأ في هذا المقال


قصة مؤمن آل فرعون:

لقد حدث في قلب بيت فرعون قصة جديدة بخلاف قصة زوجته المؤمنة التي قتلها حينما علم بإسلامها، ولكن سنتعرف اليوم عن قصة شاب لم يكن من بني إسرائيل ولا من قوم موسى، ولكنه كان من قوم فرعون، لا بل إنه من آل فرعون وأقرب الناس إليه وكان أيضاً من عَليّة القوم، فقد كان هذا الرجل مؤمناً بموسى عليه السلام، وكان يساعد النبي موسى أيضاً في أمور دعوته، لكنه كان متخفياً ولا يظهر إسلامه؛ وذلك من باب مصلحة الدعوة الإسلامية، ولكي يستفيد موسى عليه السلام من دعوته، فلم يُعرف اسم هذا الرجل ولكن ما يُهم هو ما الذي قدمه هذا الرجل حتى تصل الدعوة الإسلامية للناس.

وفي يوم طلب فرعون من قومه أن يجتمعوا عنده في القصر، ومن بين الأشخاص الذين لبّوا دعوة فرعون للقصر الرجل المؤمن، فقال فرعون: إني أريد أن أقتل موسى فدعوني وشأني، لأني عزمت على قتله، فقال تعالى: “وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ ۖ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ” غافر:26.

وكان قد بيّن لهم سبب قتل موسى عليه السلام، وهو استبدال دينهم بدين موسى، فقالوا له: اقتله وما الذي يمنعك عن قتله فأنت قتلت أناس كثيرون وأطفال أبرياء، فلو أردت قتله لقتلته ولكن الله تعالى يحفظه.

دور مؤمن آل فرعون الذي بقي يكتم إيمانه:

الآن وقد جاء دور المؤمن الذي بقي يكتم إيمانه للحظة التي علم فيها أن فرعون جاد في قتل موسى، فنهض لكي يعترض على جريمة فرعون التي يريد أن يرتكبها بحق موسى عليه السلام، هل سيقتل نبي الله، فقال تعالى: “وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ” غافر:28.

فقال الرجل المؤمن ما هي جريمة موسى، فقط لأنه يقول ربي الله، وكان متيقن هذا الرجل المؤمن أن فرعون ومن حوله أنه في داخل أنفسهم يعلمون أن ربهم هو الله تعالى، فقد جحدوا بها واستيقنت فيها أنفسهم، ولذلك أراد أن يبين للقوم بأن هذا الذي تتهمون به موسى جميعكم تؤمنون به، فما هي الجريمة التي ارتكبها، فقط لأنه قال الله ربي وخالقي.

ولكن الناس جميعهم من شدة خوفهم من فرعون استجابوا لأمره وظلوا صامتين، أما الرجل المؤمن أظهر شجاعته ولم يستطع الصمت فقال لفرعون: كيف تقتلون موسى الذي جاءكم بآيات العصى وآية اليد، أولم يأتيكم الطوفان فدعا ربكم ونجاكم منه، أو لم دعا الله عندما جاءتكم الضفادع فنجاكم منها، أو لم يبتليكم الله بالقمل فنجاكم أيضاً منها، وابتلاكم بالدم ودعا ربه فنجاكم من كل ذلك فماذا تريدون أكثر من تلك البينات التي جاء بها إليكم، فصارت حاشية فرعون ينظرون إلى هذا الرجل ويقولون: كيف تَجرأ هذا الفتى وقال هذا الكلام أمام فرعون، ومنذ متى يتكلم هذا الرجل مثل هذا الحديث.

فقال الرجل المؤمن لفرعون: إن موسى الذي تريد أن تقتله هو أحد رجلين، إما أن يكون كاذباً أو صادقاً، فقال تعالى: “وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ ۖ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ” غافر:28.

وكأن هذا الرجل أعلن إيمانه، حينما قال: الله لا يهدي من هو مسرف كذاب، أي بمعنى قوله لفرعون أن الله لا يهدي الكذاب وعليكم أن تبحثوا عنه، ولم يسكت هذا الرجل؛ لأنه علم أن الجريمة الآن تطورت ووصلت إلى مرحلة لا يمكن السكوت عنها.

لقد قال الرجل المؤمن: دعكم الآن من موسى عليه السلام، فقد صار يذكرهم بنعم الله تعالى عليهم، فقال تعالى: “يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّهِ إِن جَاءَنَا ۚ قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ“غافر:29.

لم ينتهِ الرجل المؤمن من حديثه، ولا يزال في خطبته العصماء التي ينصح فيها الناس والتي استغل فيها الفرصة، وفي لحظة تدخل فرعون وأراد أن يُسكت هذا الرجل، فقال فرعون لا أريكم إلا ما أرى، بمعنى الذي أقوله هو الصحيح، ولا أهديكم إلا سبيل الرشاد، فلا تسمعون إلا كلامي ولا أقول لكم إلا الحق ويجب أن تطيعوني.

إن الفرق شاسع بين حديث فرعون وحديث الرجل المؤمن، فكلام الرجل المؤمن عن الآيات البينات وعن عذاب الله وعن المُلك الذي منحه الله إلينا، وعندما أنهى حديثه، قال: “وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُم مِّثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ” غافر:30.

فصار يذكرهم بحال الأمم السابقة منهم: قوم ثمود وقوم عاد، إني أخاف أن يصيبكم مثلما أصابهم، وقال يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم التناد، والمقصود بالتناد هو: “إما عذاب الدنيا أو عذاب الآخرة”، فقال تعالى: “يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُم مِّنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ ۗ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ” غافر:33. وأيضاً أخذ مؤمن آل فرعون يذكرهم بيوسف عليه السلام حينما جاء إلى الأرض بالبينات وما الذي حدث للناس وزمن الخير الذي انتشر في زمن حكم يوسف عليه السلام، وأنهم كيف انقلبوا عليه وعلى دينه عندما نبههم وحذرهم.

وبدأ يلقي عليهم مؤمن آل فرعون المواعظ التي لا تخرج من أي إنسان إلا إذا كان قلبه ممتلئ بالإيمان، فقال مؤمن آل فرعون: “وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ- يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ” غافر:38-39. فأصبح يهديهم إلى الطريق الصحيح وهو منهج موسى عليه السلام، لأن الدنيا متاع أما الآخرة هي دار القرار وأصبح يدعوهم للنجاة وهم يدعوهم للشرك بالله. فقال تعالى: “وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ” غافر:41.

ثم ختم مؤمن آل فرعون موعظته وخطبته بقوله تعالى: “فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ” غافر:44. إن هذه ليست بقدرتي وليس بأمري، ولكن أدع أمري لله تعالى وأفوضه له لأنه هو بصير بالعباد.

ما هي نهاية مؤمن آل فرعون؟

وفي نهاية خطبة مؤمن آل فرعون، قام فرعون بتجهيز خطة لقتله، ولكن فرعون لم يستطع فعل ذلك؛ لأن الله تعالى نجّا هذا المؤمن مع موسى عليه السلام، عندما خرج بني إسرائيل من مصر إلى البحر، وكان مؤمن آل فرعون يدخل البحر بفرسه ويقول لموسى هل هنا وعدك ربك، فيردُ عليه موسى ويقول له: نعم هنا وعدني ربي، فنجا الله تعالى موسى عليه السلام ومعه مؤمن آل فرعون ومعهم بني إسرائيل، وأغرق الله تعالى فرعون ومن معه من الجنود، فقال تعالى: “فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا ۖ وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ” غافر:45.


شارك المقالة: