اقرأ في هذا المقال
قصة ماشطة بنت فرعون:
لقد حدث في قصر فرعون كثير من القصص والأحداث، بدأت بقتل زوجته التي تحملت وصبرت على إيذاءِ فرعون لها بعدما علم أنها تعبد الله ولا تعبده، وتليها قصة الخادمة التي جاءت إلى قصر فرعون من أجل خدمة بنات فرعون والعمل على خدمتهن، فهذه الخادمة كانت زوجة للرجل كان يعمل في قصر فرعون، وكان هذا الرجل يعبد الله تعالى ولا يعبد فرعون، وحينما اكتشف فرعون هذا الأمر أمر بقتله، وبعدها فترة من الزمن جاءت زوجة هذا الرجل إلى قصر فرعون لكي تخدم فيه.
لقد ذُكر أنَّ هناك امرأة جاءت إلى قصر فرعون من أجل العمل وجلب الطعام والمال لأطفالها الصغار، كانت وظيفتها في القصر هي أن تمشط شعر ابنة فرعون فقط، هي من النساء التي تؤمن بالله تعالى ولا تؤمن بفرعون، وكانت هذه الخادمة تُخفي إيمانها ولا تظهرهُ لأي أحد كان.
وفي يوم من الأيام كانت تمشط لابنة فرعون وسقط المشط من يدها، فنزلت لكي تأخذه عن الأرض فذكرة اسم الله وقالت: “بسم الله” فسمعتها بنت فرعون وسألتها، ماذا قلتي، قالت لها الماشطة: قلت بسم الله، فقالت لها بنت فرعون وهل تقصدين بإلهك أبي، قالت لها: لا، الله هو ربي وربك وربُ أبيكِ وهو ربّ الجميع وربّ العالمين، فغضبت الفتاة وقالت لها: سأخبر أبي بما ذكرتي، فقالت الماشطة: أخبريه إلى متى سنظل صامتين ونخفي إيماننا، فسيأتي يوم على الناس ويعلمون أن ربنا هو الله وحده لا شريك له.
فذهبت ابنة فرعون إلى أبيها وأخبرته بما حصل، وغضب فرعون غضباً شديداً، فقال: هل يوجد امرأة تعمل عندي ولا تؤمن بي، آتوني بها على الفور، فدخلت إلى فرعون وفي قلبها قوةٌ من الإيمان وثقتها بالله تعالى لا يعادلها شيء، فسألها هل حقاً أنك تؤمنين بأحدٍ غيري، قالت: نعم، إني أعبد الله ربي وربك، فصمت وقال لنفسه لن أعاقبها بنفسها ولكن أحضروا لي أطفالها.
فذهب جنود فرعون إلى بيت الماشطة، ودخلوا إلى البيت بطريقةٍ وحشية، فصار الأطفال يصرخون ويبكون، والأم مسجونة بالقصر، وحينما أحضروا الأطفال إلى فرعون، صارت الأم تبكي وتنظر إلى أطفالها من شدة الخوف عليهم، فطلب فرعون من جنوده أن يُحضروا قِدراً مليئاً بالزيت المغلي.
وظلّ فرعون يسأل بالماشطة إلى آخر لحظة، و ألحّ عليها بالسؤال حتى تكفر وتنكر، هل لكي رباً غيري، وهي تصرّ وتقول: نعم، أنا أعبد الله تعالى، فبدأ فرعون بأول طفلٍ من أطفالها وهو يُسقطهُ بالقِدر المغلي، وظل يصرخ حتى اختفى صوته من شدة الحروق، وأخذ بالطفل الثاني ويليه الثالث والرابع حتى طفحت أجسادهم من شدة الحروق، وساح لحمهم عن أجسادهم وطافت عِظامهم على وجه القِدر، وبقيت هي لكي يُلحقها بأطفالها، فقال تعالى: “وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ” البروج:8.
الآن جاء دور الأم، فبدأ بجرّها إلى القِدر، فقالت لفرعون أريدُ منك طلباً قبل أن تلحقني بأولادي، قال لها: ماذا تريدين، قالت له: أريد منك بعد حرقي أن تجمع عِظامي وعظام أطفالي في كفنٍ واحد وأن تدفنا سوياً، فكما فرقت بيني وبين أطفالي في الدنيا فلا تفرقنا في الآخرة، فتعجب فرعون من طلبها، وقال لها: لكي ما طلبتي، فإنكِ تستحقينه، فقام وألقاها في القدر.
قصة الرائحة التي شمها النبي عليه الصلاة والسلام في السماء السابعة:
ولم تنتهي قصة الماشطة عند قتل الأطفال والأم، فبعد مرور ألاف السنوات والنبي عليه الصلاة والسلام وهو في المعراج مع جبريل عليه السلام شمّ النبي عليه الصلاة والسلام رائحةً طيبة وجميلة، فسأل جبريل وقال له: إني أشمّ رائحة طيبة، فقال له جبريل: هذه رائحة ماشطة بنت فرعون وأطفالها، فقال تعالى: “وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ – فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ” آل عمران:169- 70.
إن ماشطة فرعون وأطفالها ماتوا أمام فرعون، ولكن عند ربهم هم أحياء ويعيشون حياةً طيبة ويتنعمون، فأعد الله لهم الجنة تستقبلهم ملائكة الرحمن وتجعلهم في حنوطٍ من الجنة، ثم رفعتهم إلى السماء حتى تقوم الساعة. فقال تعالى: “إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ” الزمر:10. فماشطة فرعون جعلها الله تعالى من الأمثلة للنساء الأخريات لكي نقتدي بهن.