ما هي قصة موسى عليه السلام مع ابنتيّ شعيب؟

اقرأ في هذا المقال


قصة موسى عليه السلام مع ابنتيّ شعيب

قال الله تعالى: “وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ ۖ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا ۖ قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ الرِّعَاءُ ۖ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌالقصص:23.
سنتعرض هنا لقصةٍ قصيرةٍ وموجزة؛ لكنها تحدد مهمة المرأة ومهمة المجتمع، ومتى تكون الضرورة، وكيف تُقدر بقدرها؟ وموسى عليه السلام وردَ ماء مدين، وكلمة: “وَرَدَ” ليس معناها الشرب، ولكن معناها الوصول عند الماء، فالورد لا يقتضي الشرب. فلما جاء موسى العين، أو البئر التي كان يشرب منها أهلُ مدين، وجدَ عليها أمّةً، أي جماعةً من الناس يسقون أنعامهم ومواشيهِم، ووجدَ امرأتين تذودانِ، (ومعنى ذاد الشيء أي منعهُ أن يفعل كذا)، فالغنمُ تندفعُ نحو الماء وهما تمنعانها، حتى يسقي الناسُ أنعامهم.
ولما رأى موسى هذا الأمر استغرب؛ إذا كان الناس جاءوا إلى البئر ليسقوا أنعامهم، فلماذا تمنع هاتانِ المرأتان أغنامهما من الاقتراب من الماء. فسألهما وقال لهما: “ما خَطبُكُما” أي ما بالكم أو ما حكايتكم ولماذا تفعلانِ ذلك؛ فأخبرتاهُ أنهما لا تسقيانِ حتى يصدر الرعاء، وكلمة “يُصدِرَ” وفيها أيضاً أصدر يُصدر، كلمة صدر أي هو بذاته، وورد هو بذاته، وأصدر أي أرسلَ غيره، وأورده، أي أرسلَ غيره أيضاً، فقال تعالى: “قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ الرِّعَاءُ ۖ” أي أعطت حكماً، “وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ” وأعطت حكماً آخر،فَسَقَى لَهُمَا” وهذا حكماً ثالثاً.
لقد وردت في الآية السابقة ثلاثُ قضايا وهي: أنّ المرأة لا تخرج لعمل الرجل إلا للضرورة القصوى، “وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ” ونأخذ هنا الضرورة بقدرها، “لَا نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ الرِّعَاءُ ۖ” فالمجتمع الإيماني عليه أن يُساعد أصحاب هذه الحالات، “فَسَقَى لَهُمَا”.
فقال الله تعالى: “فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ” القصص:24 كأنه كما حدثت القصة طوال رحتله لم يتيسر له الحصول على الطعام، وكان يأكل من بقل الأرض حتى نحل جسمه، وأصبح مهزولاً، وضعف من قلةِ الطعام، ومع أنه على هذه الحالة من الضعف، فهو عندما رأة الفتاتين في هذا الموقف؛ فقام وسقى لهما، وقضى مصلحتهما، ومعنى ذلك أن الحق سبحانه وتعالى يُريد من الضعيف أن يتجه إلى المعونة، وحينما اتجه إلى المعونةِ، فلن يفعل هو بقوتهِ، وإنما يفعل بمعونة الله، وبعد أن سقى للبنتين رجعَ إلى الظلِ مُرهقاً مُتعَباً، والدليل أنه قال: “رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ“.
وقولهُ “ربّ” هو دعاء بما يُناسب الإجابة؛ لأنه كان يستطيع أن يقول: يا الله لكن، أي تعني المعبود الذي له أوامر، ولكن الرب هو متولي التربية، ولذلك جاء بالصفة التي تُناسب الموقف، أي يا ربّ أنت الذي خلقتني وأوجدتني في هذا الكون، وما دمت كذلك، فأنا جائع وأريدُ الطعام، ومعنى: “لِمَا أنزَلتَ” أي أنّ هذا الرزق من عندك أنت، وإنّ جاءني الآن أحدٌ بطعامٍ فأنت الذي أنزلتهُ إليّ.

ما هو الأمر الذي ناجى من أجله موسى عليه السلام ربه؟

وبينما هو يُناجي ربهُ طالباً العون والمساعدة، فجاء بالفرجِ من عند الله، فقال تعالى: “فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ۚ فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ ۖ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ” القصص:25. أي جاءته إحدى الإبنتين تمشي في حياءٍ، فعنها جياءٌ في المشي، فأخبرَتهُ إنّ أباها يدعوهُ إلى مقابلته؛ لكي يجزيهِ على شهامتهِ، وسقي الغنم لهما، فموسى عليه السلام لبّى الطلب ولم يرفُض الدعوة؛ لأنّ باباً من الرزق سيُفتَحُ له وهو في حالةٍ صعبة، فهنا لم يذكر القرآن الكريم كيف مشى موسى عليه السلام إلى بيت شُعيب، وكيف دلتهُ ابنتهُ على الطريق، فموسى لم يكن يعرف الطريق، والفتاة هي التي ستدلهُ عليه، وما دامت ستدلهُ، فلا بدّ أن تسير أمامهُ وحينما تأتي الرياح من الخلف، فإنها تكشف الجسم أو تُحدد معالمهُ، فلما سارت أمامهُ لكي تدله على الطريق، حوّل موسى وجههُ بعيداً عنها، وقال لها: سيري أنتي من خلفي ودليني على الطريق يقذف الحصى، فلما وصل إلى بيت شُعيب عليه السلام وحكى له القصة وهروبه من مصر وتربُص القوم به، طمأنهُ وقال له: “لَا تَخَفْ ۖ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ“.
ثم يقول الله تعالى: “قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ۖ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ” القصص:26. إن هذه الآية أعطت حُكماً جديداً بعد الأحكام الثلاثة التي ذكرت سابقاً، فمع أن الضرورة هي التي اضطرت البنتين إلى الخروج وأخذتا هذه الضرورة بقدرها ولم تُزاحما الرجال والمجتمع المسلم يساعدهما في ذلك، فالبنتُ حينما وجدت الإنسان الأمين طلبت من أبيها أن يستأجرهُ، وهذا كان دليلاً على أنها تهوَ الخروج، وتريد أن تجد من يُعيفها من هذه المهمةِ.


شارك المقالة: