ما هي قصة موسى عليه السلام مع قارون؟

اقرأ في هذا المقال


قصة موسى عليه السلام مع قارون:

قال الله تعالى: إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ ۖ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِين” القصص:76. لقد ابتلى موسى عليه السلام في حياته ومشوار دعوته بمجموعةٍ من الصناديد، فابتلى أولاً بفرعون الذي زعم إنه إله، واستعبد الناس، ثم ابتلي ثانياً بموسى السامري الذي صنع العجل، ودعا بني إسرائيل إلى عبادته، ثم ابتلي ثالثاً بقارون الذي جحد بنعم الله تعالى عليه، يقول تعالى: “إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ” وقوله “من قوم موسى” يعني بني إسرائيل، يقول أغلبية المؤرخين وأهل العلم: إنه كان ابن عم موسى عليه السلام، فهو قارون بن يصهب بن قاهث بن لاوي، وموسى هو ابن عمران ابن قاهث بن لاوي بن يعقوب، وكان يُسمى النور، لحسنِ صوتهِ بالتوارة.
لما أمر بالزكاة، كان على قارون من كلّ ألف دينار دينارٌ واحد، فسولت له نفسه، أنّ هذا المبلغ كثير، فجمع نفراً يثق بهم من بني إسرائيل، فقال: إن موسى أمركم بكلّ شيءٍ فأطعمتوه، وهو يريدُ الآن أخذ أموالكم، فقالوا أنت كبرنا وسيدنا، فأمرنا بما شئت، فقال: آمركم أن تحضروا فلانة البغي، فتجعل لها جعلاً فتقذفهُ بنفسها، ففعلوا ذلك فأجابتهم إليه ثم أتى عدو الله إلى موسى عليه السلام، وقال له: إنّ قومك قد اجتمعوا لك لتأمرهم وتناههم فخرج إليهم فقال: من سرق قطعناه ومن افترى جلدناه ومن زنا وليس له امرأةً جلدناه مئة جلدة، وإن كانت له امراةً رمجناهُ حتى يموت، فقال له قارون: وإن كنت انت فقال: نعم قال: فإن بني إسرائيل يزعمون إنك فجرت فلان، فقال: ادعها، فإن قالت، فهو كما قالت، فلما جاءت قال لها موسى: أقسمتُ عليكِ بالذي أنزل التوارة إلا صدقت، أنا فعلتُ بكِ ما يقول هؤلاء؟ قالت: لا فقد كذبوا ولكن جعلوا لي جُعلاً على أن أقذفك، فسجد ودعى عليهم فأوحى الله إليهم، وأمري الأرض بما شئتي تُطعك: قال: يا أرض خذيهم.
فلم يكن له ناصرٌ ولا من غيره، ولما حلّ به ما حلّ من الخسف وذهاب الأموال، وخراب الدار وإهلاك النفس والأهل والعقار، فقد ندم من كان تمنى مثل ما أوتي وشكر الله الذي يدبر عبادهُ بما يشاء من حسن التدبير المخزون. ولهذا قال الله تعالى: “لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا ۖ وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ” القصص:82.
وكان قد وعظهُ النصحاء من قومهِ قائلين لا تبطر بما أعطيت ولتكن همتك مصروفةً لتحصيل ثواب الله في الدار الآخرة، وتناول من الدنيا بمالك ما أحلّ الله لك وأحسن إلى خلق الله كما أحسن الله خالقهم وبارئهم إليك؛ وذلك قال الله تعالى: وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ القصص:77. فأجابهم قائلاً أنا لا أحتاج إلى استعمال ما ذكرتم ولا ما إلا إليه أشرتم، فإن الله أعطاني هذا لعلمٍ أستحقه وإني أهلٌ له، ولولا أني حبيبٌ إليه وحظى عنده لما أعطاني لما أعطاني. فردّ الله تعالى عليه بأنه قد أهلك من الأمم الماضية بذنوبهم وخطاياهم من هو أشدّ منهم قوةً وأكثر أموالاً وأولاداً، فلو كان فيها ما قال صحيحاً، لم يُعاقب الله تعالى أحداً ممن سُبق. ونقرأ قوله تعالى: “أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا ۚ” القصص:78.
وكان عدو الله قد خرج على قومه تجملاً عظيماً من ملابس ومراكب وخدم، فلما رآهُ من يُعظم زهرة الحياة الدنيا تمنوا لو أن كانوا مثله، وغبطوه بما عليه وله، فلما سمع ما قالتهم العلماء ذو العلم الصحيح والزهاد الألباء وأرشدوهم إلى أن ما عند الله في الدار الآخرةُ خيرُ وأبقى، وأجل وأعلى لمن خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى، وذلك لقول الله تعالى: “وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا” القصص:80.
وقدّ قص الله تعالى تلك القصة؛ حتى يعلم الناس أنّ أحداً لن يفلت من عذاب الله تعالى، لا في الدنيا ولا في الآخرة، “وأنه لا يُفلحُ الكَافِرُونَ”. القصص:82. وأن الله غالبٌ على أمرهِ، ولن تغني عنهم أموالهم ولا قوتهم من الله شيئاً، وحتى يعلم كلُ ظالمٍ أنه ليس له من الله ناصر، “فما لهُ من قُوةٍ ولا ناصرٍ”. وإن دار الآخرةِ لهي الحيوان، وهي دارُ القرار وهي الدارُ التي يُغبط من أعطيها، ويُعزي من حرمها، وأنها معدةٌ للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبةُ للمتقين.


شارك المقالة: