ما هي مدة الإقامة التي تقصر فيها الصلاة؟

اقرأ في هذا المقال


مدة الإقامة التي تقصر فيها الصلاة:

لقد تبين لنا أنّ إقامات النبي صلى الله عليه وسلم جاءت متنوعة فمنها ما هو داخل في حكم السفر كإقامتي غزوتي الفتح وتبوك، فهاتان الإقامتان لا علاقة لهما بتحديد مدة الإقامة التي تقصر فيها الصلاة؛ لأنهما غير مقصودين قبل فعلهما، ولا محددة نهايتهما فلم تخرجا بالمسافر حكم السفر.

أما الإقامة التي دلالة في تحديد مدة التي تقصر فيها الصلاة فهي إقامة النبي عليه الصلاة والسلام بالإبطح عام حجة الوداع لكونهما مقصود قبل فعلها ومحددة البداية والنهاية، أيضاً ثم إنها أطول إقامة فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الوصف فعليها مدار الحكم في تحديد المدة التي يجوز لمن قصد إقامتها أن يقصر فيها.

أما ما زاد عليها فلا يشملهُ حكمها بل هو محكوم علية بحكم وجوب الإتمام على غير الضارب في الأرض، وهو  المقيم.

مدة القصر ومدى دلالتها على تحديد الأيام:

لقد روى الإمام البخاري في صحيحه أن ابن عمر رضي الله عنه كان إذا جاء ذا طوى بات به حتى يصبح، فإذا صلى الغداة اغتسل، وزعم أن النبي عليه الصلاة والسلام فعل ذلك. صحيح البخاري.

أما قدوم النبي عليه الصلاة والسلام مكة فكان في اليوم الرابع من ذي الحجة لما روى البخاري أيضاً عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قد صبيحة رابعة. وكان انتقاله صلى الله عليه وسلم من الإبطح إلى مِنى ضحى اليوم الثامن من ذي الحجة لما روى البخاري أيضاً عن عبد العزيز رفيع قال: سألت أنس بن مالك رضي الله عنه قلت: أخبرني بشيءٍ عقلتهُ عن النبي عليه الصلاة والسلام أين صلى الظهر والعصر يوم التروية؟ قال: بمِنى”.

لقد ظهر بهذا أن النبي عليه الصلاة والسلام أقام بالإبطح خمسة أيام متوالية منها ثلاثة تامة ويومان ناقصان هما يوم الدخول والخروج؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام صلّى الفجر بذي طوى، ثم دخل مكة فطاف بالبيت الحرام ثم نزل بالإبطح، فهو لم يصل به في هذا اليوم إلا أربعُ صلواتٍ أولها صلاةُ الفجر. كما أنه لم يصل به في يوم الرحيل إلا صلاة الفجر، فمجموع الصلوات التي صلّاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في مقامة هذا عشرين صلاةٍ.

وعلى هذا فيجوز لمن كانت إقامتهُ كإقامة النبي عليه الصلاة والسلام أن يقصر الصلاة. أما من قصد إقامة أربعة أيامٍ تامة أو أكثر منها فإنه يجب عليه الإتمام، ولا يتأتى هذا إلا إذا كانت إقامتهُ ستُ أيامٍ وذلك بيومي الدخول والخروج، فأربعةٌ تامة ويومانِ ناقصان، أما إذا كانت خمسة بيومي الدخول والخروج فإنهُ يقصر.

وممّا يؤيدُ صحة الاستباط من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا ما رواه البخاري في صحيح عن العلاء بن الحضرمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث للمهاجرين بعد الصدر.

قال ابن حجر: أنهُ يُستنبط من ذلك أن إقامة ثلاثة أيام لا تخرج صاحبها عن حكم المُسافر. وإنّ ممّا يدل أيضاً على إقامة أكثر من ثلاثة أيام تخرج بصاحبها عن حكم السفر، أنه صلّى الله عليه وسلم أبقى ما زاد على الثلاثة على أصله وهو تحريم إقامة المهاجر في مهجرهِ، ويستوي في هذا من قصد الاستيطان أو الإقامة المؤقتة الزائدة على ثلاثة أيام، أما من مر بمهجره وهو مسافر فإنه لا يُحرم عليه ذلك، وكذا من أقام بها أكثر من ثلاثة أيام بغير قصد الإقامة؛ وذلك لأن النبي عليه الصلاة والسلام أقام هو وأصحابه زمن الفتح بمكة تسعة عشر يوماً يقصرُ الصلاة، فقد زادت هذه الإقامةُ على ثلاثة أيام فلا تخالف تحديد إقامة المهاجر بثلاثة أيام؛ لأن هذه الإقامة المحددة مقصودة لذاتها، ولذلك جاء الأذن فيها لمن انتهى من أعمال الحجّ. لا قبل الانتهاء منه.

أما الإقامة زمن الفتح فلم تكن مقصودة لذاتها بل دعت إليها متطلبات الفتح ولذلك لم يكتف النبي عليه الصلاة والسلام بفعلهِ لها عن الإذن بجواز الإقامة أيام مع أنها سابقة على الإذن. كما أن الإذن بثلاثة أيام ليس ملغياً لحكمها ولا ناسخاً لها؛ لأن الجمع بين الأدلة ممكن فهو مقدم على أطراح أحدهما والعمل بالآخر.

وإن من فوائد هذا القول والفعل تنويع الإقاماتِ، وإعطاء كل نوعٍ حكماً يخصهُ، فالإقامة المقصودة لذاتها يستوي فيها حم ما زاد على ثلاثة أيامٍ وحكم الاستيطان. ولذا بقي ما فوق الثلاثة على النهي، أما الثلاثة فحكمها حكم السفر؛ لأنه جاء الأذن للمهاجر أن يُقيم فيها، فصار حكمها حكم مرور المهاجر بمهجرهِ في حال سفرهِ حيث لم يمنع منه أصلاً.


شارك المقالة: