ما هي مشروعية القصر في القرآن؟

اقرأ في هذا المقال


مشروعية القصر في القرآن:

لقد ورد الإذن بالقصر في القرآن لمن كان ضارياً في الأرض في آية واحدة وهي قوله تعالى: “وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا” النساء:101. إنّ هذا القصر قد قُيد بشرط الخوف من الكافرين، كما دلّ عليه مفهوم الشرط الثاني الذي ذُكر في الآية.

وقد أختلف أهل العلم في تحديد هذه الصلاة المقصورة، فقيل المُراد بها صلاة الخوف، وقيل: بل المراد بها صلاة السفر.

ونرى أن كلتا الصلاتين مُرادة في الآية؛ لأن لفظ القصر يحتمل ذلك، فهو يحتمل قصر عدد الركعات كما في صلاة السفر، كما يحتمل قصر الهيئات كما في صلاة الخوف، وليس صريحاً في أحدهما دون الآخر.

إنّ مقدار القصر في الصلاة لم يحدد في الآية، ثم إن درجات الخوف مختلفة، فالخوف في حال مواجهة العدو تختلف عن الخوف منه في حال بعده، وعدم مواجهتهِ.

وممّا يؤيد ما قالوا: إنّ النبي عليه الصلاة والسلام استمر على قصر الظهر والعصر والعشاء في حال سفره بعدما أمن، فأشكل ذلك على عمر بن الخطاب رضي الله عنه لظنهِ أن القصر الوارد في الآية خاص بالمسافر الخائف دون المسافر الآمن أخذاً من مفهوم الآية، فسأل عن ذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام.

كما أشكل هذا على يعلى بن أمية رضي الله عنه، فسأل عنه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وذلك فيما رواه مسلم في صحيحه، عن يعلى بن أمية رضي الله عنه أنه قال: قلتُ لعمر بن الخطاب: “فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ” النساء:101

لقد أمن الناس فقال: عجبت مما عجبت منه، فسأل رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وعن ذلك فقال: “صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته” فقد دلّ هذا على أن النبي عليه الصلاة والسلام قد أقر عمر على ما فهمهُ من دخول القصر في حال السفر في دلالة الآية، لكنه لم يقرهُ عليه الصلاة والسلام على أنّ هذا القصر خاص بالمسافر الخائف.

أما الدليل على دخول صلاة الخوف في حال السفر تحت دلالة الآية، فهو وجود النص عليها في الآية نفسها، ثم إن الله تعالى قد بين لنبيه عليه الصلاة والسلام نوع القصر في حال مواجهة العدو في الآية التالية لهذه الآية مباشرةً، وهي قوله تعالى: “وإذا كُنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقُم طائفةٌ منهم معك” النساء:103. إن هذه الآية مبينة لنوعٍ واحد من أنواع القصر المُراد في الآية السابقة، أما بقية أنواع القصر في حالتي الأمن والخوف، فقد بينتهُ السّنة، كما مر نوع القصر في حال الأمن كما في حديث عمر رضي الله عنه.

فإذا تقرر هذا فإنّ الآية السابقة، وهي قوله تعالى: “وإذا ضربتُم في الأرضِ فليس عليكم جُناح” قد قيدت القصر بالضرب في الأرض، فمفهوم ذلك عدم جوازه لمن توقف ضربه، وهذا المفهوم قد نصت عليه الآية التي جاءت بعد الآيتين السابقتين وهي قوله تعالى: “فإذا اطمأننتمُ فأقيموا  الصلاة إنّ الصّلاةكانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً” النساء:103.

فهذه الآية قد أوجبت على المؤمنين إقامة الصلاة في حال الاطمئنان، وهو سكون البدن عن الحركة، والقلب عن الخوف، كما مضى بيان هذا في المدلول اللغوي لهذه الكلمة.

فظهر بهذا القصر ينتهي عند التوقف عن الضرب في الأرض، لا بالاستيطان خلافاً لمن قال به من أهل العلم؛ وذلك لأن الاستيطان قدرٌ زائد عن مجرد التوقف عن الضرب في الأرض المُعبر عنه بالإطمئنان في الآية، ولأن معنى الاستيطان هو اتخاذ المكان المُعين موطناً، ومأوى يأوي إليه الإنسان، أما الاطمئنان فهو توقف البدن عن الحركة والقلب عن الخوف، والفرق بينهما ظاهر وواضح.

أما المقصود بإقامة الصلاة في الآية: فهو بحسب سبب القصر، فإن كان سببه مُجرد الضرب في الأرض من غير خوفٍ، فالمقصود به إذا إتمامها ليس إلّا لأنهُ لو قيل بغير هذا للزم منه القول بأن النبي عليه الصلاة والسلام هو إمام المقيمين للصلاة، ولم يترك من إقامتها إلا قصرها، وهو  ما أذن لله به في حال الضرب، ومنعه في حال الاطمئنان.

فإذا قيل إن المقصود بإقامة الصلاة في الآية صلاة الخوف دون صلاة السفر فعلى هذا فلا يصحُ الاحتجاج بها على حكم الإتمام أثناء الإقامة؛ لأن صلاة الخوف هي المذكورة قبل هذه الآية مباشرةً، فالواجب أن تحمل على أقرب مذكور، فنقول لا يصحُ ذلك، لكن الصواب أنّ المارد بها الصلاتين معاً؛ لأن الخوف يعاكسه الأمن وليس الاطمئنان. فقال تعالى: “وَلَيُبَدّلَنّهُم مِن بعد خَوفِهم أمناً” النور:55.


شارك المقالة: