مسائل في الإيلاء وأقوال الفقهاء فيها:
إن من أهم المسائل في موضوع الإيلاء وأقوال الفقهاء فيها هي ما يلي:
- المسألة الأولى: وهي هل يجوز أن تُطلق المرأة بانقضاء الأربعة الأشهر المضروبة بالنص للمُولي أم تطلق بأن للأربعة الأشهر فإما فاء وإما طلق. وللعلماء في هذه المسألة أقوال:
– القول الأول: يوقف بعد انقضاء الأربعة الأشهر، فإما فاء وإما طلاق وهو قول علي وابن عمر وإليه ذهب الإمام مالك والشافعي وأحمد وأبو ثور وداود والليث وحجتهم في ما ذهبوا إليه. أنه جعل مدة التربص حقاً للزوج دون الزوجة فأشبه مدة الأجل في الدين المؤجل. وإن الله تعالى أضاف الطلاق إلى فعله وليس يقع من فعله إلا تجوزاً. وقول الله تعالى:” وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ” البقرة:22، قالوا هذا يقتضي وقوع الطلاق على وجه يسمع وهو وقوعه باللفظ لا بانقضاء العدة. وإن الفاء في قوله تعالى:” فَإِن فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ” ظاهرة في معنى التعقيب، فدل ذلك على أن الفيئة بعد المدة، وربما شبهوا هذه المدة بالعدة الرجعية، إذا كانت العدة إنما شرعت لئلا يقع منه ندم، وبالجملة شبهوا الإيلاء بالطلاق الرجعي وشبهوا المدة بالعدة وهو شبه قوي.
القول الثاني: إن الطلاق يقع بانقضاء أربعة أشهر إلا أن يفيء، فإن فاء فالله عفورٌ رحيم، وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه والثوري والكوفيون. وبالجملة إن الطلاق يقع بانقضاء أربعة أشهر أو بعدها، فمنهم من فهم من قبل انقضائها، ومعنى العزم عند البعض بالآية أيّ لا يفيء حتى تنقضي المدة، فمن فهم من اشتراط الفيئة اشترطها بعد انقضاء المدة قال معنى قوله تعالى:”وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ” أي بلفظ” فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ” البقرة:227. - المسألة الثانية: في لحوق حكم الإيلاء للزوج إذا ترك الوطء بغير يمين. قال الجمهور لا يلزمه حكم الإيلاء بغير يمين، وعند الإمام مالك يلزمه، وذلك إذا قصد الإضرار بترك الوطء وإن لم يحلف على ذلك، فالجمهور اعتمدوا الظاهر ومالك اعتمد المعنى؛ لأن الحكم إنما لزمه باعتقاده ترك الوطء وسواء شد ذلك الاعتقاد بيمين أو بغير يمين؛ لأن الضرر يوجد في الحالتين جميعاً.
- المسألة الثالثة في مدة الإيلاء: وفيها عدة أقوال.
القول الأول: إن مدة الإيلاء يجب أن تكون أكثر من أربعة أشهر، إذا الفيء عندهم هو بعد أربعة أشهر وبهذا قال الإمام أبو حنيفة إلى مدة الإيلاء أربعة أشهر فقط والفيء عنده فيها، وذهب آخرون ومنهم الحسن وابن أبي ليلى إلى إذا حلف وقتاً ما وإن كان أقل من أربعة أشهر كان مولياً يضرب له الأجل إلى انقضاء الأربعة الأشهر من وقت اليمين. - المسألة الرابعة: في طلاق الإيلاء بائن أو رجعي. وللعلماء أكثر من قول في ذلك، فذهب فريق إلى أنه رجعي؛ لأن الأصل إن كل طلاق وقع بالشرع أنه يحمل على أنه ردعي إلى أن يدل دليل على أنه بائن وهو ما ذهب إليه عمر وأبو الدرداء ومجاهد وعمر بن عبد العزيز وإليه ذهب مالك والشافعي وذهب آخرون ومنهم ابن مسعود وزيد بن ثابت وسالم بن عبد الله والحسن البصري، وإليه ذهب أبو حنيفة النعمان واستدلوا على ذلك: بأن إيقاع الطلاق إنما كان لرفع الحيف والظلم عن الزوجة ولا يتحقق ذلك إلا بتطليقةٍ بائنة تتمكن من استيفاء حقها مع زواج ٍ آخر.
- المسألة الخامسة: في اختلافهم إذا أبى الطلاق والفيء هل يطلق عليه القاضي أم لا. ذهب المالكية إلى أن القاضي يُطلق عليه، وقال الحنفية يُحبس حتى يطلق، وسبب الخلاف معارضة الطلاق للمصلحة فمن راعى الأصل المعروف في الطلاق قال لا يقع إلا من الزوج، ومن راعى الضرر الداخل من ذلك على النساء قال يطلق السلطان هو نظر إلى المصلحة العامة، وذكر الشافعية أن القاضي يطلق طلقة واحدة، وإنه لو زاد عليها لم تقع الزيادة؛ لأن الواجب عليه واحدةً، ولم يقدرها بطلقة رجعية لاحتمالية شمولها حالات أخرى مثلاً قد تكون الطلقة قبل الدخول، أو قد تكون تكمله الثلاثة.
- المسألة السادسة: هل يتكرر الإيلاء إذا طلقها ثم راجعها. قال الإمام مالك إذا راجعها فلم يطأها تكرر الإيلاء عليه وهذا عنده في الطلاق الرجعي والبائن، وقال أبو حنيفة الطلاق البائن يسقط الإيلاء وهو أحد قولي الشافعي واختاره المزني وجماعة من الفقهاء على أن الإيلاء لا يتكرر إلا بإعادة اليمين بعد الطلاق، وسبب اختلافهم معارضة المصلحة لظاهر شَرط الإيلاء.
- المسألة السابعة: في اختلافهم حول التزام زوجة المولى منها بالعدة أو ليس تُلزمها. قال جمهور العلماء: إن العدة لا تَلزمها إذا حاضت في مدة الأربعة الأشهر ثلاث حيضات، وحجتهم أن العدة وضعت من أجل براءة الرحم، وهذه قد حصلت لها البراءة، وحجة الجمهور إنها مطلقة، فوجب أن تعتدُ كسائر المطلقات وسبب الخلاف أن العدة قد جمعت العبادة والمصلحة، فمن لاحظ جانب المصلحة لم ير عليها العدة ومن لاحظ جانب العبادة أوجب عليها العدة.