جاء في القرآن الكريم ما يدل على وجود الله تعالى، وتعددت موضوعات الآيات التي تحدثت في هذا المجال، وكان للقرآن الكريم منهج مميز في إثبات العقيدة، يتمثل في الاستدلال بالآيات الكونية لإثبات وجود الخالق جل وعلا، وتدبر الآيات التي تبيّن عجائب صنع الله تعالى في خلقه، وسنتناول في هذا المقال منهج القرآن الكريم في إثبات العقيدة، من خلال الاستدلال بالآيات الكونية.
منهج القرآن الكريم في إثبات العقيدة من خلال الآيات الكونية:
أولاً: ارتياد الكون عبر آيات القرآن الكريم:
يصعد القرآن الكريم بمَن يتدبّر آياته من الأرض إلى السماء، ومن التراب وما ينمو به من نباتات وزهرات، إلى السماء وما يُضيء بها من نجوم وأقمار، ليُنير بصيرة المتدبّر في قدرة الله تعالى، ويُبين له ما في هذا الكون من أسرار الخلق، وتكوين المخلوقات.
ويطول حديث مَن يتدبّر آيات القرآن الكريم، التي تتحدث عن عظيم قدرة الله تعالى، وإتقان صنعه في الكون، ففي القرآن الكريم وصف لجمال خلق الله، ومعلومات وفيرة عن خلق الكون، واستنتاجات دقيقة، وتوجيهات حسنة، لم يستطيع المتدبر أن يجد ذلك في غير كتاب الله عز وجل، مما توصل إليه العلم والعلماء.
ثانياً: نعم الله في الكون:
بيّن القرآن الكريم أن الخالق جل وعلا خلق الكون، وسخّر ما فيه لمنفعة الإنسان، وجعل كل ما على الأرض متوافقاً مع طبيعة حياة الإنسان، ليكون فيه صلاحاً لأحوال الإنسان وظروفه، في أي زمان وأي مكان، ويُحب الإنسان ذو العقل السليم خالقه؛ لأنّه مخلوق على الفطرة التي تجعله يحب مَن يُحسن إليه.
وكثرت الآيات الكونية في القرآن الكريم، التي تذكّر الإنسان بما حباه الله تعالى به من نعم، وأهمها تسخير كل ما في الكون لنفعه وصلاح حاله.
ثالثاً: الاستدلال بالآيات الكونية لإثبات استحقاق الخالق للربوبية والألوهية:
ويتخذ القرآن الكريم من الآيات الكونية سبيل لإثبات وجود الله تعالى، واستحقاقه وحده للربوبية والألوهية، وحجة لأصحاب المعتقدات الباطلة في حق الله تعالى، وهي برهان لأهل العلم والدين، لبيان فساد أدلة الملحدين، وعدم صحة العمل لعبادة غير الله تعالى.
فالله تعالى وحده يستحق الربوبية والألوهية، ولا أحد غير الله يستحق أن يُعبد؛ لأنّه لا أحد قادر على فعل ما يفعله الله تعالى، فهو وحده خالق الكون، خلق السماء والأرض، وأنزل الماء من السماء وأحيا بها الأرض، وجعل الأرض مستقرة لتجري بها الأنهار والبحار، وغيرها من الأفعال الدالة على قدرته سبحانه وتعالى.
وكان أسلوب الاستدلال بالآيات الكونية لتوحيد الربوبية والألوهية لله تعالى، هو المنهج الذي اتبعه كافة الأنبياء والرسل، لمواجهة المكذبين لرسالاتهم، والمنكرين لوجود الله تعالى.
وتوجّه الهداية التي تنتج من التدبّر والتفكير في آيات القرآن الإنسان إلى أن يعبد الله وحده؛ لأنه يعلم أن الله هو الخالق المدبر للكون، بيده الحياة والموت، وبإرادته الرزق والسعة، وبأمره تصرف الأمور، وهو وحده الذي يستحق العبادة.
رابعاً: ينتفع أولو الألباب بالآيات الكونية:
يتميز أولو الألباب ببُعد نظرهم في تدبر الكون، والبحث في القدرة على الخلق وتسيير الحياة، للوصول إلى الحقيقة، لتتفتح قلوبهم وتتصل بسر الكون، وعجائب صنعه، وكان القرآن الكريم الوصلة الوثيقة التي ربطت قلوب هؤلاء بإيقاعات الكون، وبدقة خلقه وجماله الهائل.
ويستخدم أولو الألباب عقولهم وأبصارهم وأسماعهم في التفكير، والتوجه السليم الذي يسترشد العقل من خلاله، بما جاء في القرآن الكريم من آيات تدل على الخالق، وتكشف لهم الحقائق التي تقودهم إلى تحقيق ما يهدفون إليه من حكمة ومعرفة.
بعكس العلوم الحديثة التي تقطع الصلة بين الناس وحقيقة الكون، حيث تُخفي تبصرة الإنسان وتفكيره، وتقطع صلة قلبه وعقله بواقع الكون وحقيقته، وتُشغله عن التدبّر الذي يُطلعه على الحق، وتتميز بأنّها علوم زائفة، تصل بالإنسان إلى المعرفة الناقصة، والبحوث العقيمة.
خامساً: دلالة الخلق على صفات الخالق:
من خلال تدبر الآيات الكونية في القرآن الكريم، يستطيع الإنسان صاحب العقل السليم، أن يُدرك دقة الصنع والإبداع، في تفصيلات قوية، وتدبير متقن، ونتيجة كاملة، لم تصدر إلّا من عليم قدير، حكيم مدبّر، خبير بخلقه.
فالكون الواسع المنظم، نبّه الإنسان إلى أن يعرف صفات الخالق من صفات الخلق، فالله تعالى له الصفات الكاملة، التي تظهر في كمال الخلق وإتقانه، فلا عيب فيه ولا تفاوت، فقال تعالى: “الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ* ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ” سورة الملك 3،4.