القتل بالمثقل وما في حكمه:
إن هذا النوع من القتل يدخل عند أبي حنيفة في القتل شبه العمد. وعلى ذلك فهو لا يرى فيه القصاص، ولو أن للإمام عنده في هذا القتل، أن يُقتل الجاني سياسة على سبيل التعزير، إن رأى في ذلك مصلحة. أما أبو يوسف ومحمد وكذلك الشافعي، فإنهم يعتبرون هذا النوع من القتل عمداً موجباً للقصاصِ وعلى ذلك أيضاً قال المالكية والحنابلة.
ومن الأمثلة على المثال بالمثقل أن تكون آلة القتل إما حجراً كبيراً أو خشبة عظيمة. ويستدل محمد وأبو يوسف والشافعي على رأيهم بحججٍ، منها، منها قوله تعالى: “وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا“الإسراء:33. والمراد بالسلطان استيفاء القود، والذي يُقتل بالمثقل مقتولٌ ظلماً، فقال تعالى: “كُتب عليكم القصاص في القتلى”.البقرة:178.
وأن الحجر الكبير والخشية العظيمة وما يُشبهها يُقصد بها القتل، مثل السيف وهي الآلات التي من شأنها أن تزهق الروح، ولا يكون في معنى العمد قصوراً ولا شبهةً. وقد قتل النبي عليه الصلاة والسلام التي قتلت أخرى بمسطح وهو عمود الفسطاط. كما روى عن أنس أن يهودياً قتل جارية على أو ضاحٍ لها بحجر، فقتله الرسول صلى الله عليه وسلم، بأن رضخَ رأسه بين حجرين.
أما أبو حنيفة فيستدلُ على ما ذهب إليه بحديث: ” ألا إن قتيل خطأ العمد قتيل السوط والعصا والحجر، وفيه ديةٌ مغلظةٌ” وورد هنا لفظ العصا والحجر في هذا الحديث مطلقاً، وإطلاقه هنا يشملُ الصغير والكبير. كما أن المثقل وما يجري مجراه ليس بمعدٍ للقتلِ عادةً، ولكن القصد هنا شيءٌ داخلي لا يُعرف إلا بدليل، وهذا الدليل هو الآلة القاتلة المعدة للقتل، وبغير هذه الآلة يوجد الشك في هذا القصد.
القتل الخنق:
قال الفقهاء على مثل الخلاف المتقدم بيانه في حكم القتل بالخنق: فأبو حنيفة كان لا يرى فيه القصاص، وإن كان يقول بجواز قتلِ من تكرر منه القتل بالخنق سياسة، على سبيل التعزير، وذلك دفعاً لشره وإخلاءٍ للدولة من مفاسده، بينما يرى أبو يوسف ومحمد والشافعي والحنابلة وغيرهم أن هذا النوع من القتل يكون فيه القصاص؛ لأنه من القتل العمد الموجب للقصاص عندهم.
فنهاية القول عن القتل بالمثقل وحكمه، هو أن الجمهور كانوا يروا وجوب القصاص فيه، باعتبارهِ أنه من القتل العمد الموجب للقصاص، أما أبو حنيفة، فإنه لا يرى فيه القصاص، وإن كان يقول بأنه يجوز للإمام أن يُقتل سياسة على سبيل التعزير من تكرر منه ارتكاب مثلِ هذا النوع من القتل، دفعاً لشره، وحماية للمجتمع من أخطاره.