من علامات الساعة الصغرى - أشراط قاتلة

اقرأ في هذا المقال


من علامات الساعة الصغرى – أشراط قاتلة:

عن عَبس الغفاريّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه والسلام:” بادروا بالموتِ سِتاً إمرَة السفهاء، وكثرة الشرط وبيع الحكم واستخفافاً بالدّمِ وقطيعةََ الرّحمِ ونشئاً يتخذون القرآن مزاميرَ يقدمونهُ يُغنيهم وإن كان أقلّ منهم فقهاً” أخرجه أحمد.

شرح الحديث:
إنّ الحديث يتضمن ستةَ من العظائم التي إنّ أصابت الأمة، أصبح باطن الأرض أفضل من ظاهرها لأهل الله سبحانه وتعالى؛ لأنها تتضمن اختلالاً لا تستقيم معه الحياة، ولا يرغبُ مؤمناً بها، وهذا المقصود في قوله عليه الصلاة والسلام بادروا بالموت؛ لأن الموت لا يستطيع أن يملكهُ الإنسان، ولا يريد الإنسان أن يُعجل منيتهُ بإرادته، مثل الانتحار؛ لأن هذا الأمر منهيّ عنه أشدّ النهي.
ولكن أراد النبي عليه الصلاة والسلام المبالغة في بيانِ خطورة هذه الأمور الستة على حياة المسلم، وذلك لدرجة أنه إن عاجله قدرهُ قبل رؤيتها، فيكون قد قُدم لخير، وصُرفَ عن شرٌّ عظيم كاد أن يحلّ به. أو يكون المراد به بيانُ جواز تمني الموت حال الفتن، والتي منها هذه الأمور الستة التي لا تستقيم حياةٌ معها.

إن بعض هذه العظائم والعلامات قد تم بيان المراد بها في موضعه، ونذكر منها ما يلي:

1. إمارة السفهاء: والمقصود بها هي أن يتولى أصحاب الطيش وخفة العقول الحكم ومقاليد الأمةِ، وهذا قد فصلنا القول عنه عند الحديث عن إمارة الصبيان وهيمنة الأشرار وارتفاع التحوت على الوعول، وتسنيد الأمر إلى غير أهله. وهذه العلامةُ قد ابتلت بها الأمة منذ إمارة يزيد بن معاوية التي ارتكب فضائعَ كثيرةً منها وقعة الحرة وقتل سبط رسول الله عليه الصلاة والسلام، وإيذاء أهل بيته، فيكون بذلك قد سنّ تلك السنة السيئة من إمرة السفهاء إلى هذا اليوم.

2. كثرة الشرط:
والمقصود به هم أعوان السلطان من الشرطةِ وغيرها، وكثرتها إشارةٌ إلى أنهم ما يستندُ إليه الحاكم في تسيير تغلبه على الأمة، وهذه العلامة لا تتواجد إلا إذا كان السلطان من الظلمة، فهم يدّ السلطان ودرعهُ وعينهُ على الرعية، وكلما زاد ظلمهُ زادت حاجتهُ إلى تكثير الشرط حوله، بل إلى تكثير تخصصاتها، وأجهزتها الأمنية، وهذه العلامة ممّا ابتليت به أيضاً الأمة، وقد يكون من أسباب كثرة الشرط فسادُ الناس وكثرة مشاربهم وفرقهم واختلافُ نفوسهم، فهذهِ، فجميع هذه الأسباب كلها داعيةً إلة زيادة الشرط لتحقيق الأمن، ويكون منطق تلك المرحلة أخذُ الناس بحق القوة، لا بقوةِ الحق.

3.بيع الحكم:
ويكون له عدةُ دلالاتٍ منها فسادُ القضاة، وقبولهم الرشوة في أحكامهم للتفق وأهواء الراشين، ومنها  أيضاً بيع المناصب ونيلها أيضاً بالرشوةِ والكفاءةِ، ومنها أيضاً في ظل هذه التصورات المعاصرة ما يُعرف بشراء الأصوات والذمم في الانتخاباتِ، وكل هذه الاحتمالاتِ واقعةً في الأمةِ.

4. الاستخفاف بالدّم:
ويُراد به استهانة المسلم بدم أخيه المسلم، وحصل ذلك في الماضي وما زالَ يحصل حتى الآن بازدياد، وهناك عواملٌ كثيرةً تساعد على ذلك في عصرنا، منها الانسعار الدنيوي، والجهل بخطورة جريمة القتل، والفرقة المعززة للبغضاء والشحناء والتأويل الفاسد الذي تُستباحُ به الدماء، والثقافةُ الدخيلةُ في الإعلام، والتي يظهر فيها مشاهد العنف ويُرافقها تعظيم مرتكبيهِ، وسهولة نجاتهم من المحاسبة ووصفهم بالبطولةِ.
5.واتخاذهم القرآن مزامير: وهذه العلامة تُشيرُ إلى السطحيةِ التي تُبتلى بها الأمةِ أو بعضاً منها، حيثُ يتحول كتاب الله إلى ترانيمَ يتغنى به دون الانتباهِ إلى معانيه ودلالاته، ويُقدم الأجمل صوتاً على الأغزرِ علماً وفقهاً؛ لأن المقام يُصبح مقام تغني لا مقام تدبرٍ وقرأةٍ، وهذا لا يعني عدم أهمية تحسين الصوت بالقرآن، ولكن المقصود بهذه العلامة هي الإشارة إلى تغيير القلوب وطريقة تعاملها مع القرآن، فالقرآن أصبح ترنيمات جميلةً يتمتع بها صاحبها فقط، وهذا من مظاهر علامة رفع الأمانة من الناس من أجل ألا يبقى أثرها.
وهذه العلامة لها علاقةٌ بعلاماتٍ أخرى تُبرز اهتمام الأمة بشكل القرآن دون جوهره وتطلب به الدنيا دون الآخرة. فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: خرجَ علينا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ونحنُ نقرأ القرآن وفينا الأعرابيّ والأعجَميّ فقال:” اقرءُوا فكلّ حسنٌ وسيجيءُ أقوامٌ يُقومونَهُ كما يُقام القدحُ يتعجلونهُ ولا يتأجلونهُ”. أخرجه أبو داود.
فهذا الحديث يُشير إلى فئات من الناس تهتم بالقرآن من ناحية الأحكام والمخارج فقط، وتبرّع في ذلك وتجعلهُ جلّ همها، وقصدها من ذلك ليس وجه الله، بل نيلُ الأعطيات والهبات من الناس أو غير ذلك من حطام الدنيا، أي يُصبح القرآن مطية لنيل المآرب الدنيوية عند هؤلاء، ونلحظ أنّ هذه العلامة لها علاقة بقول النبيّ عليه الصلاة والسلام:” ألا إنّ من أشراط الساعة أن يظهر القولُ ويُخزن العمل”.


شارك المقالة: