من من علامات الساعة التي لم تقع – الروم أكثر الناس عند قيام الساعة:
عن موسى بن عُليّ عن أبيه قال: قال المُستوردُ القُرشي عند عمرو بن العاص: سمعتُ رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: “تقوم الساعةُ والرومُ أكثرُ الناس” فقال له عمرو رضي الله عنهما: أبصر ما تقول! قال: أقولُ ما سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: لئن قُلتُ ذلك إنّ فيهم لخصالاً أربعاً إنهم لأحلمُ الناس عند فتنةِ، وأسرعهم إفاقةَ بعد مُصيبةٍ وأوشكهم كرةً بعدَ فرّةٍ، وخيرُم لمسكينٍ ويتيمٍ وضعيفٍ، وخامسةٌ حسنة جميلةٌ وأمنعهم من ظلمِ المُلوك”. أخرجه مسلم.
شرح الحديث الحديث:
يوجد في هذا الحديث إشارةً واضحةً تدلُ على أنّ الروم هم ملوك الأرض والمنفذون بالقرار حين قيام الساعة، وهذا معنى قول الرسول عليه الصلاة والسلام الروم أكثر الناس، فإن الأكثرية هنا يُراد بها نفوذ القرارِ وسطوة الحكم الحكم، ويُعزز هذا الفهم توصيف عبد الله بن عمرو وتصوراته لطبيعة الروم في ذلك الزمان، وهذا التوصيف يرشد إلى أن فهم كلام النبي عليه الصلاة والسلام أنهُ يراد المُلك والنفوذ، والغريب أنّ هذا الحديث الوحيد في ظني الذي صُدّر بقول النبي عليه الصلاة والسلام تقوم، ولم يتصدر بصيغة “لا تقوم” وقد ظننتُ في بادئ الأمر أنّ ذلك قد يكون خطأ من بعض الرواة فتتبعت كل رواياته فوجدتها بنفس هذا التصدير، ولولا هذه الصيغة الجديدة لاعتبرتُ أن هذا الحديث من العلامات التي وقعت في زماننا، خاصة أنّ الأوصاف الخمسةِ التي ذكرها ابن عمرو رضي الله عنهما للروم لينالوا الصدارة في الحكم والمُلك موجودةً في الروم في هذا العصر، وكذلك كونها أكثر الناس من حيث حكم الأرض والتأثير في مصيرها أمرٌ ملاحظٌ ومعلوم في الزمن الذي نعيش فيه.
أما صيغة الحديث مانعةً من إسقاط المراد به على عصرنا هذا؛ لأن دلالتها تُشير إلى قيام الساعة حقاً وحال الروم أنهم أكثر الناس ممّا يُشير إلى أن للروم جولات أخرى بعد العالمية الثانية للإسلام، وبعد دك حصونهم في القسطنطينية وروما آخر الزمان، ولعلّ هذه الجولات تُفسر لنا وصف النبي عليه الصلاة والسلام للروم بأنها ذات القرون.
أنّ الخصال الخمسة التي ذكرها ابن عمرو رضي الله عنهما تُشير إلى سعةِ فهمهِ ودرايته في شؤون الملك والسياسة، وتقلبات الدول وأسباب بقائها أو انهيارها، فهذه الخمسة خصال هي العاصمة للدول من الانهيار في ظن ابن عمرو رضي الله عنهما، وهي التي حققت للروم السيادة في الأرض، والذي نلاحظه هنا أنّ الخصال الخمسةٍ موجودة نسبياً في عصر الروم الذي نعيشه، فهم أحلم الناس عند الفتنة، فلا يتعجلون في الأحكام وإنما يدرسون ويخططون، وأسرعهم إفاقةً بعد مصيبةٍ، فهم يستخلصون العِبر من كلّ حدث، ويُعاجلونه بحلٍّ يتناسب معه، وأوشكهم كرةً بعد فرةٍ وخير الناس للأرملة والمسكين، وهذه الخصلة غير واضحةً عندهم بصورةٍ كاملة، ولكن قوانينهم تسمحُ لإعالة هؤلاء وتحسين حياتهم، أما الخامسة فهي واضحةً عندهم بشكل أوضح من غيرهم، حيث إنّ قوانينهم لا تسمح لتعسف الملوك وطغيانهم في حقهم، وهذه الخصال الخمسة ملاحظة فيهم.