المدعو في رسالة المسيح عيسى عليه السلام:
المدعو مفرد، والجمع مدعوون، وهم القوم الذين يدعوهم عيسى عليه السلام. ومما تميزت به دعوة عيسى ابن مريم عليه السلام أنه دعا أمتين مختلفتين في زمانين مختلفين، فأصبح المدعوون له صنفين: وهم بنو إسرائيل، وأمة محمد عليه الصلاة والسلام آخر الزمان.
بني إسرائيل:
لقد بدأت دعوته في بداية الأمر لأمته من بني إسرائيل كما دل على ذلك قوله سبحانه وتعالى:”وَرَسُولًا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ” آل عمران:49. وقوله تعالى:”وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم” سورة الصف:6. وهذه الأمة قد ذكر الله سبحانه وتعالى عنهم، وذكر رسوله صلى الله عليه وسلم شيئاً كثيراً من صفاتهم، وما هم عليهم من تكذيب لله وتحريفاً للكتب وقتل للأنبياءِ، وعناداً لله ورسوله مما يحتاج إلى التعامل معهم في دعوتهم بما هم أهله.
– ففي كفرهم بالله ولبسهم الحق بالباطل وكتمان الحق، قال عنهم:”يا أهلَ الكتابِ لمَ تَكُفرُونَ بآيات الله وأنتُم تَشهَدُونَ- يا أهلَ الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتَمونَ الحَقّ وأنتُم تَعلمونَ”. آل عمران: 70:71.
– وفي جرأتهم على الله سبحانه وتعالى عنهم: “وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ۚ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا ۘ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ ۚ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا ۚ وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۚ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ ۚ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا ۚ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ” المائدة:64.
– وفي نَكثهم للعهد، وإخلافِهم للوعد، قال الله تعالى عنهم:”أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَىٰ إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا ۖ قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا ۖ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ” البقرة:246.
– وفي تحريفهم لكلام الله تعالى قال عنهم:”مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ ۚ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَٰكِن لَّعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا” النساء:64.
– وفي تكذيبهم لبعض الرسل وقتلهم للبعض الآخر قال عنهم:”لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا ۖ كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ” المائدة:70.
– وفي عصيانهم واعتدائهم على حرمات الله لعنهم قائلاً:” لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ” المائدة:78.
– وفي اتهامهم لعيسى بالسحر قال الله عنهم:”وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ۖ فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ” الصف:6. ولا يعني ذلك أن جميع أهل الكتاب أو أن جميع بني إسرائيل هم كذلك، بل فيهم الصالحون، وفيهم أتباع الأنبياء المتقون، وذلك في وقت في وقت شرعية دينهم، وإلى هذا الصنف أشار الله سبحانه وتعالى إليهم بقوله الكريم:”وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۗ أُولَٰئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ” آل عمران:199.
وجاء في السنة المطهرة الكثير من صفاتهم، فعلى سبيل المثال على شكرهم بالله جاء في صحيح البخاري أن عائشة وعبد الله بن عباس رضي الله عنهما قالا: لما نزل برسول الله صلّى الله عليه وسلم طفق يطرحُ خميصةً له على وجهه فإذا اغتنم بها كشفها عن وجهه فقال وهو كذلك: لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما صنعوا. الجامع الصحيح.
وفي تبديلهم كلام الله جاء في الصحيحين أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: قيل لبني إسرائيل: ادخلوا الباب سجدا وقولوا حطةً. فبدلوا فدخلوا يزحفون على استاههم، وقالوا: حبة في شعرة” أخرجه البخاري والجامع الصحيح.
وفي قلة حيائهم، فقد جاء في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: كانت بنو إسرائيل يغتسلون عراة ينظر بعضهم إلى بعضهم، وكان موسى عليه السلام يغتسل وحده، فقالوا: والله ما يمنع موسى أن يغتسل معنا إلا أنه آدر، فذهب مرةً يغتسل، فوضع ثوبه على حجر ففر الحجر بثوبه، فخرج موسى في إثره يقول: ثوبي يا حجر، حتى نظرت بنو إسرائيل إلى موسى، فقالوا: والله ما بموسى من بأس. وأخذ ثوبه فطفق بالحجر ضرباً فقال أبو هريرة: والله، إنه لندب بالحجر ستة أو سبعة ضرباً بالحجر.