من هو أحق الناس بالإمامة في الصلاة

اقرأ في هذا المقال


من هو أحق الناس بالإمامة:

أحق الناس بالإمامة:

لقد ذهب الحنفية إلى أن: الإمامُ الراتب هو الأحقُ بالإمامة من غيره، فإن لم يوجد، فتحقُ الإمامة لمن هو أعلم بأحكام الصلاة فقط، سواء كان صحة، وفساداً بشرط ابتعادهِ للفواحش الظاهرة، وحفظه من القرآن قدر فرضٍ: أي ما تجوز به الصلاة.

ثم يأتي بعد الأحسن تلاوةً وتجويداً للقراءةِ، ومن ثم الأورع (أي الأكثر اتقاءً للشبهات)، والتقوى واتقاء المحرمات، ومن ثم الأسنُّ: أي الذي يكبرهم سناً؛ لأنه أكثر خشوعاً، ولأن في تقديمه تكثيرُ الجماعة. ثم بعد ذلك الأحسن خلُقاً “إلفة بالناس”، ثم الأحسن وجهاً “أي أكثرهم تهجداً”، ثم الأشرفُ نسباً، ثم الأنظفُ ثوباً. فإن كان بينهم سُلطان، فيجب تقديم السلطان، ثم الأمير، ثم بعد ذلك القاضي، ثم صاحب المنزل حتى وإن كان مستأجراً.

أما “رأي المالكية” في الإمامة فإنهُ يندبُ تقديم سلطانٍ أو نائبهُ ولو بمسجدٍ له إمام راتب، ثم يأتي بعد ذلك الإمام الراتب في المسجد، ثم ربّ المنزل فيه، ويجوز تقديم المستأجر على المالك؛ لأنه مالك لمنافعهِ. وإن كان صاحب المنزل امرأة أنابت من يصلح للإمامة؛ وذلك لأن إمامتها لا تصح، والأولى لها استخلاف الأفضل.

ومن ثم يأتي الأفقهُ الذي يعلمُ بأحكام الصلاة، ومنها السنة أو الأحاديث حِفظاً وروايةً، ثم الأقرأ والأدرى بطرق القرآن وبالقراءة، والأمكن من غيره من مخارج الحروف ثم الأعبد، أي الأكثرٌ عبادة سواء كان صوم أو صلاةً أو غيرها، ثم الأقدم إسلاماً، ثم الأرقى نسباً كالقرشي، ومعلوم النسب يقدم على مجهوله، ثم الأحسن خلقاً، ثم الأحسن لباساً، أي الأجمل وهو لابس الجديد المباح غير الحرير، واللباس الحسن شرعاً: هو البياض خاصة، جديداً أو لا. فإن تساووا قَدِم الأورع والزاهد والحر على غيرهم، ويقدم الأعدل على مجهول الحال، والأب على الابن، والعم على ابن أخيه، فإن تساووا في كل شيء، أقرع بينهم، إلا إذا رضوا بتقديم أحدهم.

“أما الشافعية” فقد ذهب الشافعية إلى أنّ أحق الناس بالإمامةِ هو الوالي في محل ولايته. ثم الإمامُ الراتب، ومن ثم الساكنُ بحق إن كان أهلاً لها. ومن ثم يقدم الأفقه والأقرأ والأورع، ثم من بعد ذلك الأسبقُ إسلاماً، ومن بعد الأفضل نسباً، فالأحسن سيرةً، والأنظف ثوباً، ثم نظيف البدن، ثم طيّب الصَّنْعة، ومن بعد الأحسن صوتاً، ثم الأحسن صورة، أي وجهاً، ثم آخراً المتزوج.

أما “الحنابلة” إلى أنه الأولى: الأولى بالإمامة الأجود قراءة الأفقه وقدم النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر لأنه كان حافظاً للقرآن وكان مع ذلك من أفقه الصحابة رضي الله عنهم. ومذهب أحمد تقديم القارىء على الفقيه. ثم الأجود قراءة الفقيه، ثم الأجود قراءة فقط، وإن لم يكن فقيهاً، إذا كان يعلم أحكام الصلاة وما يحتاجه فيها، ثم الأفقه والأعلم بأحكام الصلاة، ويقدم قارىء لا يعلم فقه صلاته على فقيه أمي لا يحسن الفاتحة؛ لأنها ركن في الصلاة، بخلاف معرفة أحكامها، فإن استووا في عدم القراءة قدم الأعلم بأحكام الصلاة. فإن استووا في القراءة والفقه، قدم أكبرهم سناً ثم الأتقى والأورع. ثم الأتقى والأورع، فإن استووا فيما تقدم أقرع بينهم. ويقدم السلطان مطلقاً على غيره، كما يقدم في المسجد الإمام الراتب، وفي البيت صاحبه إن كان صالحاً للإمامة.

لمن تكره الإمامة:

وتُكره  الإمامةُ لكلٍ من ممّا يلي:

1-تُكره الإمامةُ للفاسق العالِم، ولو لمثله وكان هذا عند المالكية والشافعية والحنابلة؛ وذلك لعدم اهتمامه بالدين. وقد استثنى الحنابلةُ من ذلك الأمرصلاة الجمعةوالعيد، فتصحُ إمامتهُ للضرورة، وأجاز الحنفية إمامتهُ لمثلهِ.

2 – وتُكرهُ أيضاً للمبتدعِ الذي لا يُكفر ببدعتهِ مثل الفاسق لا بل أولى.

3 – يُكرهُ أن يؤم قوماً هم له كارهون: والكراهةُ تحريمية وهذا عند “الحنفية”؛ وذلك لحديث: “لا يقبل الله صلاة من تقدم قوماً، وهم له كارهون” رواه أبو داود وابن ماجه.

4 – ويُكرهُ إمامةُ الأعمى؛ وذلك تنزيهاً عند الحنفية والحنابلة والمالكية؛ لأنه لا يتوقى النجاسةُ، واستثنى الحنفيةُ حالةَ كونهِ أعلم القوم، فهو أولى.

5– لقد أجاز الشافعية الإمامةَ بدون كراهةً، فهو مثل البصير، إذ أن الأعمى أخشع، والبصير يتجنبُ النجاسة، ففي كل صفةٍ ليست في الآخر، وتصحُ إمامتهُ عند الكل. والأعشى وهو سيءُ البصر ليلاً ونهاراً مثل الأعمى، والأصمُ كالأعمى عند الحنابلة، الأولى صحةَ إمامته.

6- انتظار الداخل: فقال الجمهور غير الشافعية: بأنه يُكره للإمامُ انتظار الداخل؛ وذلك لأن انتظارهُ شِركٌ في العبادة، فلا يُشرع مثل الرياء، ودفعاً للمشقة عن المصلين؛ لأنه يبعدُ أن يكون فيهم من لا يشق عليه، والذين مع الإمام أعظم حرمةً من الداخل، فلا يشق على من معه لنفعِ الداخل.

7 – وممّا يُكرهُ أيضاً أنّ تطول الصلاة على القوم تطويلاً زائداً بقدرِ السّنة من قراءةٍ وأذكار، والكراهة تحريميةً عند الحنفية، سواء قبلَ القوم أم لا. واستثنى الشافعية والحنابلة: حالةَ الرضا بالتطويلِ من جماعة محصورين، فإنهُ تستحبُ الإطالة، لزوال علة الكراهة، ألا وهي التنفير.

8 – وتُكرهُ أيضاً إمامةُ من لا يستطيع أن ينطقَ ببعض الحروف مثل حرف الضاد أو القاف وتصح إمامتهُ إذا كان أعجمياً أو عربياً. وتكره عند الجمهور غير الحنفية كما بينا: إمامة التمتام “وهو الذي يكرر حرف التاء” “والفأفاء وهو من يكرر الفاء”، وتصحُ الصلاة خلفهما؛ لأنها يأتيان بالحروف على الكمال، ويزيدانِ زيادة، وهُما مغلوبانِ عليها، فعفي عنها، ويُكره تقديمهما لهذا الزيادة.

9 – وأيضاً يُكرهُ إمامة اللحانِ” أي “كثير اللحن” الذي لا يُحيل المعنى كجر دال“الحمد” ونصب باء“الرب” وغير ذلك من الفاتحة، وتصحُ صلاتهُ بمن لا يلحن؛ لأنه أتى بفرضِ القراءة.

10 – ويُكرهُ الصلاة عند غير الحنابلة خلف ولد الزنا إذ كان يوجد غيرهُ يؤم الناسإنّ وجد. إذ  أنهُ ليس له أبّ يربيه ويؤدبه ويعلمه، فيكون الجهل غالباً عليه، ولنفرة الناس عنه. وقيد الحنفية كراهة إمامته بحالة كونه جاهلاً، إذ لو كان عالماً تقياً لا تكره إمامته، لأن الكراهة للنقائص لا لذاته، كما قيد المالكية كراهة إمامته فيما إذا جعل إماماً راتباً، وأجاز الشافعية إمامته لمثله.

11 – ويُكرهُ أن يكون الإمامُ أعلى من المأمومين بقدر ذراع أو أكثر، سواء أنه أراد تعليمهم الصلاة أو لم يرد. ويكره أيضاً عند الحنفية والمالكية والشافعية ارتفاعُ المقتدين عن مكان الإمام بقدر ذراع أيضاً، تتقيد الكراهة عندهم بما إذا لم يكن في الحالتين مع الإمام في موقفه واحد على الأقل من المقتدين، فإن وجد معه واحد فأكثر لم يكره، واستثنى المالكية من ذلك صلاة الجمعة فإنها على سطح المسجد باطلة، كما استثنوا مع الشافعية العلو لأجل ضرورة أو حاجة أو قصد تعليم للمأمومين كيفية الصلاة، فيجوز وبطلت صلاة الإمام والمأموم إن قصد بعلوه الكبر، لمنافاته الصلاة.

إنّ الكراهة تختصُ عند الحنابلة بمن هو أسفلُ من الإمام، لا فيمن يساويه أو هو أعلى منه؛ وذلك لأن المعنى وُجد بمن هو أسفل دون غيرهم. ولا بأس عند الحنابلة والمالكية بالعلوِ اليسير مثل درجة المنبر أي ما يقارب الشبر أو الذراع. كما استثنى المالكية العلوِ لضرورةٍ مثل تعليم الناس الصلاة، وذلك لحديث سهيل أن النبي صلى عليه الله وسلم “صلَّى على الدرجة السفلى من المنبر” متفق عليه.

ما تفسد به صلاة الإمام والمأمومين:

لقد اتفق العلماء على أنهُ إذا طرأ الحدث في الصلاة على الإمام، فإنهُ تُفسد صلاته، وتظل صلاة المأمومين صحيحةً. أما لو صلّى الإمام بالناس وهو جُنب أو محدث، وعلم بذلك المأمومون بعد الانتهاء من الصلاة، فهل تفسدُ صلاتهم أم لا؟ وذهب الحنفية إلى أن: صلاتهم فاسدة مطلقاً.

وقال المالكية: بأنه تبطل صلاتهم في حال العمد بدون النسيان. أما الشافعية والحنابلةُ فقد قالوا بأن صلاتهم صحيحةً، إلا في صلاة الجُمعة إن كان المُصلون مع الإمامِ أربعين شخصاً فقط، ففي تلك الحالة تُفسد الصلاة.

وأنّ من فرق بين السهو والعمد، فهم المالكية، وذلك بدليل الأثر الآتي: عن أبي بكرة رضي الله عنه: “أن النبي صلى الله عليه وسلم استفتح، فكبَّر ثم أومأ إليهم: أن مكانكم، ثم دخل، ثم خرج ورأسه يقطر، فصلى بهم، فلما قضى الصلاة، قال: إنما أنا بشر مثلكم، وإني كنت جُنُباً” فظاهر هذا أنهم بنوا على صلاتهم.

تحميل الإمام على المأموم:

يحقُ للإمام يتحمل سهو المأموم. وهذا ما اتفق عليه الفقهاء بأنه لا يحملُ الإمام من فرائضِ الصلاة شيئاً عن المأموم ما عدا القراءة، فإنهم اختلفوا في ذلك. أما المالكيةُ والحنابلةُ فقد قالوا: إلى أنّ المأموم يجوز له أن يقرأ مع الإمام فيما أسرّ فيه، وأنه لا يقرأ معهُ فيما جهر به. وكذلك يُقرأ عند الحنابلة في الجهرية إذا لم يسمع، ولا يقرأ إذا سَمع.

أما الحنفية فقد قالوا بأنه: لا  يجوز أن يقرأ معه أصلاً لا في الجهرية ولا في السرية. وذهب الشافعية إلى: أنه يقرأ فيما أسر أم الكتاب “الفاتحة” وغيرها، وفيما جهر أم الكتاب فقط. وذهب جمهور الفقهاء الحنفية والشافعية والحنفية إلى أنه يؤمن كالمأموم سواء. وذهب المالكية إلى أنه لا يؤمن الإمام، ولكن يؤمن المأموم فقط.

تكبيرة الإحرام بالنسبة للإمام:

أما بالنسبة إلى تكبيرة الإحرام فقد قال الجمهور عنها بأنهُ لا يكبر الإمام إلا بعد إتمام الإقامة وبعد أن تستوي الصفوف. وقال الحنفية بأن موضع التكبير هو قبل أن يُتم الإقامة، واستحسنوا هناك تكبيرةً عند قول المؤذن: “قد قامت الصلاة”.

نية مفارق الإمام وقطع الجماعة:

قال الشافعية والحنابلة بأنهُ إذا أُحرم الشخص مأموماً، ثم نوى مفارقة الإمام وإتمام صلاته منفرداً. وجاز عند الشافعية سواء أكان لعذر، أم لغير عذر مع الكراهة؛ وذلك لمفارقتهِ للجماعة المطلوبة وجوباً أو ندباً مؤكداً. وجاز لعذر فقط عند الحنابلة.

لقد استثنى الشافعية من ذلك الأمر صلاة الجُمعة، فلا يجوز نية المفارقة في الركعةِ الأولى منها، الصلاة التي يريدُ إعادتها جماعة، فلا يجوزُ نية المُفارقة في شيءٍ منها، ومثل ذلك الصلاة المجموعة تقديماً. ومن العذر: تطويلُ الإمام، أو تركهُ سنة مقصودة، مثل تشهدٍ أول وقنوت، فيحقُ فراقه لكي يأتي بتلك السّنة، أو المرض، أو خشية غلبةِ النعاس أو أي أمرٍ يُفسد صلاته، أو خوف فواتُ ماله أو  إتلافه، أو فوات رفقته، أو من يخرج من الصف ثم لا يجد من يقف معهُ. أيضاً وذهب الحنفية والمالكية إلى عدم جواز مُفارقة الإمام.


شارك المقالة: