من هو يحيى عليه السلام؟

اقرأ في هذا المقال


يحيى عليه السلام:

قال الله تبارك وتعالى: “يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَءاتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا – وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا” مريم 12:13، وقال تعالى: “وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ” الأنعام:85. وهو يحيى بن زكريا، وينتهي نسبه إلى يعقوب عليه السلام، وهو من أنبياء بني اسرائيل كأبيه زكريا عليهما السلام الذين بلّغوا الناس ما أمرهم الله بتبليغه وجاهدوا في الله حق جهاده. وقد ذكر اسم يحيى عليه السلام بالقرءان الكريم في أربع ءايات في كل من سور آل عمران والأنعام ومريم والأنبياء، وقد أثنى الله تبارك وتعالى على نبيه يحيى عليه الصلاة والسلام بالثناء العاطر الحسن ووصفه بالبر والتقوى والصلاح والاستقامة، وأعطاه الله تعالى النبوة في صباه وجعله سيّدا.

ولادة يحيى عليه السلام:

لقد وُلد يحيى عليه السلام قبل مولد نبينا عيسى عليه السلام بثلاثة أشهر، حيث قال: أنه ولد قبل مولد عيسى بثلاث سنين، وكان ابن خالته وقد عاصره وعاش معه فترة طويلة ورافق مراحل دعوته عليهما الصلاة والسلام، قال الله عز وجل: “يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا” مريم:7. قيل: أي لم يسم أحد يحيى قبله، ووجه الفضيلة في ذلك أن الله تعالى تولى تسميته ولم يَكل ذلك إلى أبويه فسماه باسم لم يسبق إليه.

صفات نبي الله يحيى عليه السلام:

– إنّ من صفات يحيى عليه السلام أنهُ صوته جميلٌ وحسنُ الوجه مثل سائر الأنبياء والمُرسلين.
– أيضاً أنه كان قوياً في طاعةِ الله منذ أن كان صغيراً، فقد أنشأ نشأة صلاحٍ وتقىً وطهرٍ ونقاء كسائر الأنبياء، فقد كان بعيدًا عن مظاهر الترف والنعيم، وكان في شبابهِ يأوي إلى القِفار والبراري ويكتفي بما يُسهله الله له من الرزقِ.
– وقد كان طعامهُ العُشب.
– وكان يحيى عليه السلام كثير العبادة وكان يبكي ويتضرع إلى الله وكان أيضاً شديد الخشيةِ منه، وكان كثير العزلة عن الناس.
– وقد كان يحيى عليه السلام يحبُ ماءَ الأنهار وكان عيسى ابن مريم يلبسُ الصوفَ ويحيى عليه السلام يلبسُ الوبر ولم يكن لواحدٍ منهما درهماً ولا ديناراً ولا عبداً ولا أمةً ولا مأوى يأويان إليه، فأين ما حلّ عليهما الليل أوَيا، فإذا أرادا الافتراقُ أوصى بعضهما بعضًا بطاعة الله تبارك وتعالى.
لقد آتى الله تعالى يحيى عليه السلام الحِكمَ والنبوة والعلم وهو صبياً صغيراً، وعلمه الله عز وجل كتاب التوراة التي كانوا يقرأونها فيما بينهم، وقد كان سنُّه في ذالك صغيرًا، يقول الله تعالى: “يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَءاتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا” مريم:12. فقيل أنه تعلم التوراة بشكل جدٍ وحرصٍ واجتهادٍ “وَءاتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا” مريم:12. قيل في هذه الآية أي الفهمُ والعلمُ والنبوة وهو صغير حَدَثٌ، فقيل: إن الصبيان الذين كانوا في سنّ يحيى عليه السلام يقولون له اذهب معنا نلعب فكان يقول لهم: ما للعب خُلقنا.
لقد وصفَ الله تعالى نبيهُ يحيى عليه السلام في قولهِ تعالى: “وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا” مريم:13 قيل: أي جعلناهُ صاحب حنان ورحمة وزكاة، فإنّ صفةُ الحنان والرحمة من صفاتُ نبي الله يحيى عليه السلام لتحننهُ على الناس ولا سِيما على والديهِ والشفقة عليهما وبرهُ بهما، فيقول الله تعالى أيضًا في وصفه: “وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا” مريم:14. فقد كان عليه والسلام متواضعاً تقياً وبعيداً عن المحرمات والشهوات ولم يكن جباراً عصيّا.
إنّ في قوله تعالى في حق النبي يحيى عليه السلام: “مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ” آل عمران:39.إننا نعلمُ أن معنى قوله تعالى في حق يحيى بن زكريا عليهما السلام: “مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ” أي مصدقًا بعيسى ابن مريم عليه السلام لأن يحيى عليه الصلاة والسلام كانَ أول من صدق بعيسى ابن مريم عليه السلام في زمانه؛ لأنه كان معاصرًا له وكان ابن خالته، وأما قوله تعالى: “وَسَيِّدًا” فمعناه إنه الحليم التقي، وقيل: هو الشريف، وأما قوله تعالى في وصف يحيى عليه السلام “وَحَصُورًا”.
لقد قال المالكي القاضي عياض، إننا نعلم بأن ثناء الله تعالى على يحيى أنه كان حصوراً ولم يكن كما قاله بعضهم: بأنه كان هَيوباً، أو لا ذَكرَ له، بل قد أنكر هذا حذّاق المفسرين ونُقادِ العلماء، وقالوا: هذه نقيصة وعيب ولا يليقُ بالأنبياء عليهم السلام، وإنما معناه أنه لا يأتي الذنوب كأنه حصور عنها، وقيل: أنهُ مانعًا نفسه من الشهوات. والقول الصحيح ان معنى: “وحصورًا” انه كان لا يأتي النساء، ليس لأنه لا يستطيع؛ بل أنهُ ترك ذلك عن اختيار منه ولو اشتهى وأراد ذلك لكان فعل.

ماذا تعني هذه الآية الكريمة “وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا”؟:

إنّ قوله تعالى في حق يحيى عليه السلام: “وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا” فقد قيل: إن أوحش ما يكون الإنسان في ثلاثة مواقعٍ وهي يوم يولدُ فيرى نفسهُ خارجاً مما كان فيه، ويوم يموت فيرى قوماً لم يكن عاينهم، ويوم يبعث فيرى نفسه في محشر لم يره، فهذه الأوقات الثلاثة هي أستر ما تكون على الإنسان فإنه ينتقل في كل منها من عالم إلى عالم آخر فيفقد الأول بعدما كان ألفهُ وعرفه، ويصير إلى الآخر ولا يدري ما بين يديه، ولهذا يستهلُّ الطفل صارخًا إذا خرج من بين الأحشاء وفارق لينها، وينتقل إلى هذه الدنيا ليكابد همومها وغمها، وإذا فارق هذه الدار وانتقل إلى عالم البرزخ وصار بعد الدور والعيشة التي ألفها في هذه الدار إلى عرضة الأموات سكان القبور وانتظر هناك النفخة في الصور ليوم البعث والنشور فمنهم مسرور ومحبور ومنهم محزون ومبثور، فريق في الجنة وفريق في السعير لذلك يقول أحد الشعراء: “ولدتك أمك باكيًا مستصرخا”.

دعوة يحيى عليه السلام:

لقد كان نبيُ الله يحيى بن زكريا عليهما السلام يعملُ على دعوةِ بني إسرائيل إلى عبادة الله وحده لا شريك له عن طريق الحكمةِ والمواعظِ الحسنة اللطيفة والمُريحة من أجل العملِ بشريعة التوراة يقول الله تبارك وتعالى: “إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ” المائدة:44.
لقد أمِر النبي يحيى عليه السلامِ بخمسةِ كلماتٍ لكي يعمل بهنّ ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن، فجمع يحيى عليه السلام بني إسرائيل في بيت المقدس حتى امتلأ بهم المسجد فجلس مشرفًا عليهم، وحمد الله تعالى ثم أثنى عليه وقال: “إنّ الله أمرني بخمسُ كلماتٍ أن أعمل بهن وأن ءامركم لكي تعملوا بهن، وأولهنّ هي أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا، وءامركم بالصلاة، وءامركم بالصدقة، وءامركم بذكر الله عز وجل كثيرًا، وأنَّ العبدُ أحصن ما يكون من الشيطان إذا كان في ذكر الله عز وجل، رواه الإمام أحمد وغيره.


شارك المقالة: