ميراث الجد مع الإخوة

اقرأ في هذا المقال


ميراث الجد مع الأخوة :

من المسائل الشائكة التي اختلف فيها الصحابة رضوان الله عليهم ومن بعدهم الأئمة الأربعة وكذلك العلماء إلى يومنا هذا توريث الجد مع الإخوة الأشقاء، والأخوات الشقيقات والإخوة لأب والأخوات لأب، وأمّا إذا اجتمع الجد مع الإخوة لأم أو الأخوات لأم فإنّهم يسقطون اتفاقاً.

ولقد كان أصحاب النبي (صلى الله عليه وسلم ) يتحاشون الحديث في توريث الجد مع الإخوة والأخوات لعدم ورود النص في ذلك فقد روي عن عمر بن الخطاب أنه قال: “أجرؤكم على قسم الجد أجرؤكم على النار”، وروي عن علي بن أبي طالب أنّه قال: “من سرّه أن يقتحم جراثيم جهنم فليقض في الجد والإخوة”

وعن ابن مسعود قال: “سلوني عما شئتم من عصباتكم ولا تسألوني عن الجد مع الإخوة“، بل روى عن عمر بن الخطاب لمّا طعن وأيس من نفسه قال: “اشهدوا أنّه لا قول لي في الجد ولا فيؤ الكلالة وأنّي لم أستخلف أحجلً”

وقال صاحب كتاب مغني المحتاج:” اعلم أنّ القول في ميراث الجد مع الإخوة، خطير في الفرائض، ومسائله كثيرة فيما بين الصحابة رضي الله عنهم فمن بعدهم، وكانوا يحذرون من الخوض فيها”،وربما يرجع سبب هذا الخلاف والحذر من توريث الجد مع الأخوة لعدة أمور منها:

  • إنّ ميراث الجد لم يرد فيه نص من كتاب الله تعالى، أو سنة النبي صلى الله عليه.
  • لم يجتمع الجد مع الإخوة في الميراث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم حتى يقاس عليه.
  • اختلف الصحابة ومن بعدهم أصحاب المذاهب الأربعة هل ينزل الجد منزلة الأب ويحل محله عند فقده أم لا؟

وبالنظر إلى هذه الأسباب، اختلف الصحابة، ومن بعدهم الفقهاء الأربعة، وغيرهم من العلماء، في توريث الجد مع الأخوة والأخوات، سواء الأشقاء أو لأب ذكوراً أو إناثاً أو ذكوراً وإناثاً، وقد انتهى اختلاف الصحابة، ومن بعدهم الأئمة إلى مذهبين رئيسين:

المذهب الأول: أنّ الجد يحجب جميع الأخوة والأخوات، سواء كانوا أشقاء، أو لأب، ذكوراً، أو إناثاً، أو ذكوراً وإناثاً، وهذا القول مروي عن أبي بكر الصديق وابن عباس وعبدالله بن الزبير ومعاذ بن جبل وجمع من الصحابة، وقال بهذا القول عطاء وطاووس وشريح والشعبي، وإسحاق بن راهوية وأبو ثور وأبو حنيفة وداود الظاهري.

المذهب الثاني: وهم الذين قالوا بتوريث الجد مع الإخوة والأخوات، ونقل هذا عن عمر بن الخطاب،ة وعلي بن أبي طالب، وزيد بن ثابت، وإلى هذا ذهب الإمام مالك والشافعي وأحمد بن حنبل، ونقل كذلك عن أبي يوسف ومحمد بن الحسن الشيباني، إلّا أنّ أصحاب هذا المذهب قد انقسموا “إلى عدة مذاهب في كيفية توريث الجد مع الإخوة والأخوات.

أدلة المذاهب الفقهية:

أدلة المذهب الأول:الذين ذهبوا إلى الحجب الإخوة والأخوات بالجد وهم أصحاب الاتجاه الأول.استدلوا بعدة أدلة منها:

1-استدلوا بقوله الله تعالى: (ّّوَٱتَّبَعۡتُ مِلَّةَ ءَابَاۤءِیۤ إِبۡرَ ٰ⁠هِیمَ وَإِسۡحَـٰقَ وَیَعۡقُوبَّّۚ) وقول الله تعالى: (مِّلَّةَ أَبِیكُمۡ إِبۡرَ ٰ⁠هِیمَۚ)

ووجّه الاستدلال من هاتين الآيتين أن الله تعالى سمى الجد أبًا فإذن يقوم مقامه عند فقده .

قال ابن رشد:(وعمدة من جعل الجد بمنزلة الأب، اتفاقهما في المعنى أعني من قبل أن كليهما أبًا للميت وكذلك اتفاقهما في الكثير من الأحكام حتى أنّه قد روي عن ابن العباس رضي الله عنهما قال:(أما يتقي الله زيد بن ثابت يجعل ابن الابن ابنًا ولا يجعل أب الأب أباً)

2- واستدلوا بالسنة ومنها قول النبي (صلى الله عليه وسلم ):”ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر” والجد أولى رجل ذكر بعد فروع الميت الذكور.

3-وقالوا كذلك: إنّ الجد يساوي الأب في أكثر أحكامه فالجد لايقتل بقتل ابن ابنه ولا يحد بقذفه، ولا يقطع بسرقة ماله، ويمنع من دفع زكاته إليه، وأنّ الجد أب عند الجميع في باب الميراث.

ومن أدلة المذهب الثاني:

  • ﴿ وَلِلنِّسَاۤءِ نَصِیبࣱ مِّمَّا تَرَكَ ٱلۡوَ ٰ⁠لِدَانِ وَٱلۡأَقۡرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنۡهُ أَوۡ كَثُرَۚ نَصِیبࣰا مَّفۡرُوضࣰا﴾ [النساء ٧].
  • ﴿وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ مِنۢ بَعۡدُ وَهَاجَرُوا۟ وَجَـٰهَدُوا۟ مَعَكُمۡ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ مِنكُمۡۚ وَأُو۟لُوا۟ ٱلۡأَرۡحَامِ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلَىٰ بِبَعۡضࣲ فِی كِتَـٰبِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَیۡءٍ عَلِیمُۢ﴾ [الأنفال ٧٥]
  • (یُوصِیكُمُ ٱللَّهُ فِیۤ أَوۡلَـٰدِكُمۡۖ لِلذَّكَرِ مِثۡلُ حَظِّ ٱلۡأُنثَیَیۡنِۚ فَإِن كُنَّ نِسَاۤءࣰ فَوۡقَ ٱثۡنَتَیۡنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَۖ وَإِن كَانَتۡ وَ ٰ⁠حِدَةࣰ فَلَهَا ٱلنِّصۡفُۚ وَلِأَبَوَیۡهِ لِكُلِّ وَ ٰ⁠حِدࣲ مِّنۡهُمَا ٱلسُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُۥ وَلَدࣱۚ)

شارك المقالة: