نشأة علم أصول الفقه

اقرأ في هذا المقال


علم استخراج الحكم وجد منذ أن وجد الفقه، فما دام هناك فقه لزُم طبعاً وجود مناهج له، وهذه هي مقومات علم استخراج الأحكام وحقيقته، ولكن الفقه سبق علم استخراج الحكم في الكتابة، بمعنى أنّ الفقه كُتب، ونظُمت قواعده، وضعت أبوابه قبل تدوين العلم الشرعي ، وهذه لا يعني أنه لم ينشأ إلا منذ تدوينه، وأنّه لم يكن موجود قبل ذلك، أو أنّ الفقهاء ما كانوا يستعملون الفقه في استنباطهم للأحكام على قواعد معينة، ومناهج ثابتة، فالواقع أن قواعد هذا العلم ومناهجه كانت مستقرة في داخل نفس المجتهد.

الفقه في وقت النبي:

ففي وقت النبي ﷺ ما كانت هناك حاجة للكلام كثيراً عن قواعد هذا العلم فما كان هناك من داعٍ للاجتهاد والفقه، وحيث لا اجتهاد، فلا طرق من أجل إظهار الأحكام، ولا حاجة إلى قواعد بالإضافة إلى أنّ النبي كان هو مرجع الفتاوى وبيان الأحكام.

الفقه بعد عصر النبي:

وبعد وفاة النبي لم يشعر الصحابة بالحاجة للرجوع إلى الاجتهاد ومسالكه، لمهارتهم باللغة العربية، وأساليبها، ووجوه دلالة ألفاظها وعباراتها، ولإحاطتهم بأسرار التشريع وحكمته، وعلمهم بأسباب نزول القرآن وورود السنة.

طرق الصحابة في الفقه:

وكانت طريقتهم في الاستنباط: أنّهم كانوا إذا وردت عليهم الواقعة بحثوا حكمها في كتاب الله، فإن لم يكتشفوا الحكم فيهِ رجعوا إلى السنة في مجال ما عرفوا من مقاصد الشريعة، وما ترشد إليه نصوصها أو تشير، ولم يجدوا صعوبه في الاجتهاد، ولا حاجة لتدوين قواعده، وقد ساعدهم ما امتازوا به من حدّة الذهن، وصفاء النفس، وجودة الإدراك على ذلك ما كان عندهم من ذوق فقهي اكتسبوه من طول صحبتهم للنبي، وملازمتهم له.

الفقه في زمن التابعين:

فقد تعلموا على طريق الصحابة في الاستنباط، ولم يشعروا بالحاجه إلى كتابة أصول استخراج الأحكام، لقرب عصرهم من عصر النبوة، ولتعلمهم على الصحابة وأخذهم العلم منهم، وانقضى عصر الصحابة ولم تدوَّن قواعد هذا العلم، وفعل التابعين مثلهم.

الفقه بعد زمن التابعين:

أنّهُ بعد انقراض عصر التابعين شعر العلماء بالحاجة إلى وضع مناهج وضوابط للاجتهاد، يرجع إليها العلماء عند الاختلاف، وتكون أحكام للفقه وللرأي الصحيح؛ لأنه توسعت البلاد الإسلامية، وجدت حوادث كثيرة ووقائع ، واختلط العجم بالعرب على نحو لم يعد يحافظ اللسان العربي على سلامته، وكثر الاجتهاد والمجتهدون، وتعددت طرقهم في الاستنباط، واتسع النقاش والجدل، وكثرة الاشتباه والاحتمالات، فكانت الحاجة إليه.
كما أنّ الخلاف بين العلماءكان يعتمد مناهج اصليه، يعتمد عليها كل عالم لتقوية فكرته، وتعزيزها، وبيان ملاحظاته في الاجتهاد، وقد اعتمدت تلك القواعد على أساليب اللغة العربية، ومبادئها، وممّا عرف من مقاصد الشريعة وأسرارها، ومراعاتها للمصالح، وما كان عليه الصحابة من نهج في الاستدلال، ومن مجموع هذه القواعد والبحوث تكون علم أصول الفقه، وقد بدأ هذا العلم بصورته المدونة، وليدة على شكل قواعد متناثرة في ثنايا کلام الفقهاء وبيانهم للأحكام، فقد كان الفقيه يذكر الحكم، ودليله، ووجه الاستدلال به.


شارك المقالة: