ما هو سبب زعم اليهود أن عزيراً ابن الله؟
قال الله تبارك وتعالى: “وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ۖ ذَٰلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ ۖ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۚ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ” التوبة:30. يجب علينا القول بأن الجواب لا. لأن في هذا الإدعاء مساسٌ لجلال اللهِ تعالى، فالإنسانُ يتخذُ ولداً لعدةِ أسباب وهي ما يلي:
– إما لأنه يُريد أن يبقى ذكرهُ في الدنيا بعد أنّ يرحل، واللهُ سبحانهُ وتعالى هو الحي الذي لا يموت وليس له ولداً ولا شريك.
– وإمّا لكي يُعينهُ ابنهُ عندما يكبرُ ويضعف، إن الله تعالى هو القوي.
– وإما من أجل أن يرثَ ماله وملكهُ وجميع ما يملك، فالله تعالى يرثُ الأرضَ وما عليها.
– وإما ليكون عُزوةً له جلّ جلالهُ الكريم والعزيز دائماً، فهكذا تنتفي جميعُ الأسباب التي يمكن أنّ تؤدي إلى هذا الإدعاء، ولا يعقِلُ أنّ يُرسلَ سبحانه وتعالى رسولاً حتى يتبينَ للناس منهجُ الحق فيقول، إبنُ الله.
وقال الله تعالى: “اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَٰهًا وَاحِدًا ۖ لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ” التوبة:31. واللهُ تعالى استهلَ في هذه الآية الكريمة بقولهِ: “اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا” وهذا مُنافٍ لما أمروا به؛ لأنهم أمروا بأن يعبدوا الله الواحد الأحد، والأرباب هنا تأتي مُنافيةً للألوهيةِ الواحدةِ، وقول الله تعالى: “وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَٰهًا وَاحِدًا” فالمسيحُ رسولُ الله، إنّ المسيح إبن الله، أنهم ألهوهُ لأن يعبد، وفي ذلك يقول الحقُ سبحانهُ وتعالى: “قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَٰنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ” الزخرف:81.
وأيضاً قول الله تعالى: “وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَٰهًا وَاحِدًا ۖ” فقد أعطت الوحدانيةُ للهِ تعالى من جانبِ إثبات الألوهيةِ، وقول الله تعالى: “لا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ” فتلك الآيةِ نفت أي وجودٍ لأي إله إلاّ الله وحده لا شريك له. فكأن الله تعالى جاء بها من جانبي الإثبات والنفي.
إذن فالله سبحانه وتعالى: بالقدرةِ والقهرِ حجزٌ ألسنةِ البشر جميعهم أن يقول أحدهم لأحدٍ“سبحانك” أو أنّ يسمى أحدٌ ابنه، “الله”. فالله تعالى يقول: “لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ” فموقف المشركين وأهل الكتاب واقع تحت هذه الآيةِ، لماذا؛ لأن منهج الله لا يأتي إلا إذا عمّ الفساد، والله يُريد من الإنسان أن يكون مُصلحاً، وأقل درجات الصلاح أنّ تترك الصالح فلا تُفسدهُ، فإذا استطعت أنّ ترتقي به يكون ذلك أحسن، فإذا كانت هناك بئر يشربُ منها الناس، فالصلاحُ أن تترك هذه البئر ولا تردمها، والأصلح منه أنّ تحمي جدرانها بالطوبِ؛ حتى لا تنهارُ الأتربةُ وتسدها، وأن تحاول أن تسهل حصول الناس على الماء من البئر، والأصلحُ منه أنّ تصنع خزّاناً عاليّاً، ومن هذه الخزان تمدّ المواسير؛ لكي يصل الماء إلى الناس في منازلهم بدون تعبٍ.
وقد روى أبو داود، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “مَا أَدْرِي أَتُبَّعٌ لَعِينٌ هُوَ أَمْ لَا ؟ وَمَا أَدْرِي أَعُزَيْرٌ نَبِيٌّ هُوَ أَمْ لَا “. وأن من معجزات العُزير عليه السلام: وهي الحياةُ بعد الموت.
نسل عزير عليه السلام:
إنّ عزير عليه السلام صبي من نسل نبي الله هارون عليه السلام، وفي وقت معجزته هذه كان يقيم مع قومه من بني إسرائيل في بابل، الذين كثروا بها وتناسلوا بعد أن أخرجهم بختنصر، وأخذ معظم الأسرى إلى بابل وكان بختنصر هو أول من جاس في ديارهم، بعد أن أفسدوا في الأرض، ولذلك فقد حقت عليهم كلمة الله عزّ وجل : “وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدنّ في الأرض مرّتين ولتعلنّ علوّاً كبيراً – فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عباداً لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار , وكان وعد الله مفعولاً” الإسراء 4-5.
لقد كان عُزير عليه السلام نبيهاً وكان يكرهُ حياةَ الذلّ في أرض بابل، وكان قلبهُ مليءً بالحُزنِ والأسى؛ وذلك لما لقيهُ بنو قومه من العذابِ والهوانِ والذلّ، فكان عُزيرعبداً مؤمناً وصالحاً ويقرأ التوراةَ، ولم يكن في بني إسرائيل آنذاكَ من يحفظُ التوراةَ عن ظهر قلبٍ سِوى عُزير، فكان أبو عُزيرٌ وجدهُ يحفظانها من قبل.
لقد تزوجَ العُزير عليه السلام وأنجب ولدين، وحينما بلغ من عُمره الأربعين عاماً؛ أوحى الله إليه أنّ هذه الأرضُ سيخرجُ منها، وهي التي أسرهُ فيها بخنتصر وتسمى أرضُ بابل، وأن بني إسرائيل سيخرجون أيضاُ، ويعيدون عمارة بلادهم، ولما كان العُزير عاقلاً هادئاً حكيماً، فإنه لم يقولَ لأي أحدٍ بما أوحي إليه لا لبني إسرائيل ولا لغيرهم، وكان كتمانه هذا عبارةً عن حرصاً وخوفاً على بني إسرائيل من أن ينزلَ بهم شرّ من أي جانب أو جهة.