هل يصح تكرار الجماعة في المسجد؟

اقرأ في هذا المقال


تكرار الجماعة في المسجد:

إن صلاة الجماعة في المسجد تعتبر سنةً مؤكدة وهذا ما ثبت عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا هو مشروعُ أهل العلم، فقال ابن بطال: “إنّ الفقهاء  أجمعوا على أن الجماعة في الصلوات هي سنة أهل الظاهر، فقال النبي صلّى الله عليه وسلم  في فضل الجماعة: “صلاة الجماعة تُفضل صلاة الفذّ بسبعٍ وعشرين درجة”.

فقد تحدثنا سابقاً عن مكروهات في الصلاة وقال الحنفية بأنهُ: يُكره تكرار الجماعة بأذانٍ وإقامة في مسجد مَحِلِّة، إلا إذا صلى بهما فيه أولاً غير أهله، أو أهله لكن بمخافته الأذان، أو كرر أهله الجماعة بدون الأذان والإقامة، أو كان مسجد طريق، أو مسجداً لا إمام له ولا مؤذن، ويصلي الناس فيه فوجاً فوجاً، والأفضل أن يصلي كل فريق بأذان وإقامة على حدة.

ومن المعروف عن مسجد المحلّة هو الذي لا يُعلم له إمامٌ ولا جماعة، والكراهةُ هنا هي تكرر الأذان، فلو صلّى جماعة في مسجد المحلّة بغير أذآن أبيح، ولكن حقيقة الرواية عند الحنفيةِ أنه مكروه، فما يُفعل في بعض المساجد من الصلاة بأئمةٍ متعددة وجماعات مترتبةٍ مكروةً عندهم.

ودليلهم على هذا الأمر أن النبي عليه الصلاة والسلام كان قد خرجَ ليُصلح بين قومٍ، فرجع إلى المسجد، وكان قد صلّى أهل المسجد، وعاد إلى منزله، وجمع أهله وصلّى. ولو جاز ذلك لما اختار الصلاة في بيته على الجماعة في المسجد. ولأن ذلك حامل على تكثير الجماعة، فلو أبيح التكرار بدون كراهة لا يجتمع الناس، لعلمهم أن الجماعة لا تفوتهم.

أما رأي المالكية في تكرار صلاة الجماعة فإنها تُكره في مسجدٍ له إمامٌ راتب وعلى ذلك فإنه يُكره إقامة الجماعة قبل الإمام الراتب، ويحرم أن تُقام جماعة مع جماعة الإمام الراتب. فالنصوص تقول: أنه متى ما أقيمت الصلاة مع الإمام الراتب، فلا يجوز أن تُقامُ صلاةٌ أخرى سواء فرضاً أو نفلاً، لا جماعة ولا فرادى. ومن صلى جماعة مع الإمام الراتب، وجب عليه الخروج من المسجد، لئلا يؤدي إلى الطعن في الإمام. وإذا دخل جماعة مسجداً، فوجدوا الإمام الراتب قد صلّى، ندب لهم الخروج ليصلوا جماعة خارج المسجد، إلا المساجد الثلاثة وهما: المسجد الحرام ومسجد المدينة والمسجد الأقصى، فيُصلون فيها فرادى إن دخلوها؛ لأن الصلاة المنفردة فيها أفضل من جماعة غيرها.

أما إذا تعدد الأئمة الراتبون، مثل أنّ يُصلي أحدهم بعد الآخر، فقد يُكره على الأرجح. ويكُره تعدد الجماعات في وقتٍ واحد، وذلك لما فيه تشويش. ولا يكره تكرار الجماعة في المساجد التي ليس لها إمامٌ راتب.

وقال الشافعية بأنه لا يجوز إقامة الجماعة في مسجدٍ بدون إذن الإمام الراتب مُطلقاً  وأنه يكره إقامة الجماعة في مسجدٍ بغير إذنٍ من الإمام الراتب مطلقاً قبله أو بعده أو معه، ولا يصحُ أيضاً تكرار الجماعة في المسجد المطروق في ممر الناس، أو في الأسواق أو ما شابه ذلك، أو فيما ليس له إمامٌ راتب، أو له وضاق المسجد عن الجميع، أو خيف خروج الوقت؛ لأن ذلك لا يحملُ التكرار على المكيدة.

أما الحنابلةُ فقد حرموا إقامة جماعة في مسجدٍ قبل إمامهِ الراتب إلا بإذنه؛ لأنه يُعتبر صاحب البيت، وهو أحق بها، وذلك لقوله صلّى الله عليه وسلم: “لا يؤمَّنَّ الرجل الرجل في بيته إلا بإذنه”، ولأنه يؤدي إلى التنفير عنه، وكذلك يحرم إقامة جماعة أخرى أثناء صلاة الإمام الراتب، ولا تصح الصلاة في كلتا الحالتين. وعلى هذا فلا يحرم ولا تكره الجماعة بإذن الإمام الراتب؛ لأنه مع الإذن يكون المأذون نائباً عن الراتب، ولا تحرم ولا تكره أيضاً إذا تأخر الإمام الراتب لعذر، أو ظن عدم حضوره، أو ظن حضوره ولم يكن يكره أن يصلي غيره في حال غيبته.

ولا يجوز أن تُكرر الجماعة بإمامة غير الراتب عند انتهاءِ الإمام الراتب إلا في مسجدين وهما مكة والمدينة فقط. فمن المكروه إعادة الجماعة فيهما؛ وذلك رغبة في توفير الجماعة، وذلك من أجل أن لا يتأخر الناس عن حضور الجماعة مع الراتب في المسجدين إذا أمكنهم الصلاة في جماعة أخرى، وذلك إلا لعذرٍ ما مثل النوم وغيره عن الجماعة، لا يصحُ لمن فاتتهُ أن يُعيدها بالمسجدين.

ولا يجوزُ أيضاً أن يتعدد الأئمةِ الراتبين بالمسجدين المذكورين؛ وذلك لفوات فضيلة أول الوقت لمن يتأخر، وفوات كثرةُ الجمع حتى وإن اختلفت المذاهب. ولا يجوز للإمام إعادة الصلاة مرتين، بأن يؤم بالناس مرتين في صلاة واحدة، بأن ينوي بالثانية عن فائتة أو غيرها، وبالأولى فرض الوقت. والأئمة متفقون على أنه بدعة مكروهة.


شارك المقالة: