دور العلاقات العامة في المجال الحكومي:
قد حُدد للعلاقات العامة الحكومية وظيفتين أساسيتين، هما: عرض معلومات متواصلة ومنتظمة عن السياسات والخطط إلى الجماهير، وإعلامها بالتشريعات والتنظيمات والإجراءات التي تمس الحياة اليومية للمواطنين، وتقديم النصح للوزراء وكبار المسؤولين فيما يتعلق بردود الفعل الحالية والمتوقعة للسياسات القائمة أو المرتقبة، فالإدارة الناجحة لا تفرض القرارات من أعلى وإنما تستلهم قراراتها من واقع الجماهير ومشكلاتها.
وهذا يتطلب تهيئة قنوات الاتصال التي تنساب من خلالها المعلومات إلى الإدارة؛ لكي تتعرف على الآراء والاتجاهات السائدة، ولكي تقف على المشكلات التي تعاني منها الجماهير قبل إن يزداد أثرها ويصعب تداركها، حيث أن الإعلام الحكومي يستطيع أن يلعب دوراً حيوياً في إنجاح الإدارة باكتشاف أثر القوى الاجتماعية الجديدة، والتعرف على مواطن القلق والتوتر قبل أن تزداد حدتها.
وكما يجب تقوية الشعور بالانتماء القومي والوحدة الوطنية وفي عام 1940، كتب هاروود تشايلدز أستاذ العلوم السياسية الأمريكي إن مسؤولية العلاقات العامة أن تُحدد للإدارة الأعمال والسياسات التي تؤثر على المجتمع، وعليها أن تستبعد من هذه الأعمال والسياسات ما يتعارض مع مصلحة الجمهور أو تعدلها بما يحقق التوافق بين مصلحة الفرد أو المنظمة ومصلحة الجماهير.
ولكي يتم ذلك على الشكل الأكمل ولا بُدّ أن يتمكن رجال العلاقات العامة من المبادئ المهمة للعوامل الاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي تتكون في المجتمع في الوقت الحاضر، فإن العلاقات العامة بمفهومها الحديث يجب أن تمارس هذه الوظيفة على أسس علمية وبصفة مستمرة، كما أن هذه الوظيفة تتضمن قياس وتقييم وتفسير اتجاهات الجماهير المختلفة التي لها صلة بالمنظمة.
وكما يجب التعاون مع الإدارة في اختيار الأهداف التي تؤدي إلى زيادة التفاهم بين المنظمة وجماهيرها، وتقبل هذه الجماهير لخدمات المنظمة وخططها وسياساتها والأفراد العاملين بها، والتوصل إلى التوازن بين أهداف المنظمة ومصالح واحتياجات الجماهير المختلفة التي لها صلة بها، وتخطيط وتنفيذ وتقويم البرامج الرامية لكسب رضاء الجماهير وتفاهمها.
ولا تختلف هذه الوظائف من حيث المبدأ باختلاف المؤسسات التي تسعى لكسب تأييد الجماهير والفوز بثقتها، فسواء كانت هذه المؤسسات صناعية أو تجارية أو لا تخضع لعامل الربح، أو يناط بها إدارة شؤون البلاد فلابد أن تمارس هذه الوظائف لتحقيق أهداف العلاقات العامة وهذا ما يؤكده تعريف جمعية العلاقات العامة الدولية الذي يقول أن العلاقات العامة هي وظيفة الإدارة المستمرة والمخططة والتي تسعى بها المؤسسات والمنظمات الخاصة والعامة، لكسب تفاهم وتعاطف وتأييد الجماهير التي تهمها والحفاظ على استمرار هذا التفاهم والتعاطف والتأييد.
ويتم ذلك من خلال قياس اتجاه الرأي العام للتأكد من انسجامه قدر الإمكان مع سياستها وأنشطتها، وتحقيق التعاون الخلاق والأداء الفعال للاحتياجات المشتركة باستخدام الإعلام الشامل المخطط، وهذا التعريف يقودنا إلى تأكيد المبدأين التاليين في مجال العلاقات العامة الحكومية، أن أي منظمة تتعامل مع الجماهير تتعرض كثيراً لحملات كيدية من جانب المنظمات المنافسة بهدف إضعافها واجتذاب جماهيرها إلى جانب المنافسين، أو حتى تحطيمها نهائياً وإزالتها من سوق المنافسة.
وكما يحدث هذا في المنظمات التي تسعى إلى الربح أياً كان نوعها، فهو يحدث أيضاً في المجال السياسي بين الأحزاب والحكومات لاختلاف الاتجاهات السياسية والرغبة في الوصول إلى الحكم، أو تحطيم النظام القائم لتعارضه مع مصالح فئة معينة من فئات المجتمع، وكما ينبغي أن تسعى المنظمات التجارية إلى التعرف على اتجاهات الجماهير، ودراسة أوضاع المنظمات المنافسة وما تحاول أن تبثه هذه المنظمات من شائعات وحملات همس ضدها، يلزم أن تقوم الحكومات أيضا بدراسة الشائعات وحملات الهمس التي توجه ضدها.
ويتم ذلك في أغلب الأحوال عن طريق أجهزة تحمل أسماء مختلفة يندرج بعضها تحت أجهزة المخابرات، ويتبع بعضها التنظيمات السياسية القائمة أو إدارات تحليل الرأي العام أياً كانت تبعيتها وهذا يقودنا إلى المبدأ الأول في العلاقات العامة وهو التعرف على الاتجاهات السائدة إزاء المنظمة، وأيضاً دراسة المحاولات المعادية التي ترمي إلى النيل منها أو التشكيك فيها.
وأن أي منظمة لابد وأن تراعي عند اتخاذ قرار معين، أو السير على سياسة جديدة تأثر على الجماهير التي تتعامل معها، فإذا كان من المحتم إتباع سياسة معينة لأنه لا بديل عنها، وهذه السياسة تفرض تضحيات على الجماهير، فلا بُدّ من تهيئة الجماهير لتقبل هذه التضحيات من خلال الإقناع بمبررات السياسة الجديدة، وتقديم القدوة في المشاركة في تحمل ما يطلب من الجماهير تحمله من أعباء.