ما هي الخصائص النفسية لأفراد الجمهور المستهدف؟

اقرأ في هذا المقال


الخصائص النفسية لأفراد الجمهور المستهدف:

تُعدّ قدرة الفرد على الانتقال الحضاري من البيئة الثقافية التي ولد وتربى فيها وتشبع بثقافتها. وقد اهتم بعض العلماء بدراسة العوامل التي تؤدي إلى تنمية قدرة الأفراد على الانتقال الحضاري، وفي مقدمتهم دانيال ليرنر الذي قام بتحليل عملية الانتقال من المجتمع التقليدي إلى المجتمع العصري، وقد توصل ليرنر إلى أن هذه العملية تجتاز ثلاث مراحل رئيسية، الأولى تتصل بالتحضر عن طريق تكوين المدن وهى مرحلة ضرورية لنشأة الاقتصاد الصناعي الحديث.
وفي نطاق المدن، وفى داخل البيئة الحضرية تتطور المرحلتان التاليتان وهما: التعليم والإعلام، فالتعليم من المهارات الأساسية لإعداد الفرد للقيام بواجباته وزيادة قدراته على التفاهم والاستفادة من وسائل الاتصال، أما أن الإعلام ينقل الفرد من العالم المحدود الذي يعيش فيه إلى مجالات أرحب وأوسع، ونتيجة للتفاعل بين هذه العوامل الثلاثة: التحضر والتعليم والإعلام تنمو الشخصية العصرية في المجتمع.
وتتميز هذه الشخصية بالقدرة على التخيل والتقمص الوجداني؛ أي قدرة الإنسان على تصوّر دوره وأدوار الآخرين في المجتمع، وبدون هذه القدرة لا يكمن الفرد أن يدرك معنى التغييرات التي تحدث في المجتمع، ويتضاءل تأثير الاتصال الذي تقوم به المؤسسة لتوضيح مغزى التطورات أو التغييرات الجديدة، ومن الثابت أن هذه القدرة تختلف من إنسان إلى آخر.
فالشخص القادم من الريف إلى المدينة سوف يتعرض لأحد ثلاثة احتمالات؛ الاحتمال الأول أن يعيش في المدينة بنفس الطريقة التي اعتاد أن يعيش عليها في القرية، ويكون التغيير في سلوكه بطيئاً للدرجة التي قد لا تلاحظ، وهناك احتمال آخر بأن يتكيف مع سلوك أهل المدينة ويجاريهم في زمن معقول ويصبح مثلهم في كل تصرفاتهم، وطريقة حياته، أما الاحتمال الثالث، فهو أن يتفوَّق هذا القروي على أهل المدينة في سلوكهم الحضري بكل ما يحمله هذا السلوك من قيم مغايرة للسلوك الريفي في بعض الحالات.
ويبدو اختلاف هذه القدرة على الانتقال الحضاري بشكل واضح بين المجتمعات المتباينة، حينما تختلف المعايير والقيم بشكل ملحوظ وحينما ينتقل بعض أبناء الشرق إلى الغرب للدراسة، أو العمل نجد بعضهم يتمسك بقيم مجتمعه ويحرص عليها أشد الحرص، بينما ينسى البعض الآخر هذه القيم وينغمس بشدة في المجتمع الجديد، ليعود إلى مجتمعه الأول في صورة مخالفة لصورته الأولى.
والخبرات المكتسبة التي كونت شخصيات الأفراد وأعطتهم مع الانتقال الحضاري، إطاراً دلالياً محدداً ساعد على تشكيل اتجاهاتهم نحو كثير من القضايا والمشكلات التي تواجههم، فاستجابة الإنسان لا تتم نتيجة للحدث الذي يواجهه، إنما تأتي نتيجة لمعنى الحدث وتفسيره من خلال الصور الذهنية التي تكونت نتيجة للخبرات السابقة.
وهذه الخبرات هي التي تجعلنا نرى أشياء لا وجود لها، في حين نخفق في رؤية بعض الأشياء الموجودة فعلاً وتفسير ذلك هو ما نلاحظه عندما نستمع إلى بعض المحاضرين أو الخطباء، أو رجال السياسة من تحيز واضح في تبريراتهم، في الوقت الذي قد لا يتنبه فيه هؤلاء إلى ما تتضمنه أحكامهم وأقوالهم من تحيز وعدم اتساق.
وهذا القصور في الرؤية الواضحة أو التفكير المنطقي يزداد في حالات الصراع أو الضغوط، أياً كان نوعها وقد شغل العلماء بدراسة أسس تكوين الاتجاهات، وأساليب تغييرها، ولأهمية هذه الدراسات في مجال تكوين الصور الذهنية، وحيث نجد الكثير منها يؤثر فئ النهاية على السلوك الإنساني.
والتخيل والتذكر بمعنى قدرة العقل على استرجاع الصور التي حدثت في الماضي، وتخيل صور لواقع لم يحدث وترتبط هذه القدرة بثلاثة عوامل تتصل بطبيعة العقل الإنساني، وهي: الإدراك الانتقائي لمواد الاتصال من ناحية، والتأثر النائم لهذه المواد من ناحية أخرى، ثم التذكر الانتقائي من ناحية ثالثة، فالعامل الأول يُفسّر إدراك مواد الاتصال التي تدعم اتجاهات المستقبل، ويفسر أيضاً إدراك هذه المواد مشوهة بسبب الاتجاهات الحالية للمستقبل.
أمّا التأثير النائم فهناك تفسيرات متعددة له ومن أهمها أن يكون مصدر الرسالة موضعاً للشك، فيقل تأثير الرسالة بسبب ضعف الثقة في المصدر، وبمرور الوقت ينسى المستقبل المصدر المشكوك فيه بسرعة أكبر من مضمون الرسالة، وقد يحدث ما هو أكثر من ذلك عندما يفصل الفرد بين الرسالة ومصدرها، ويرجع التذكر الانتقائي إلى ميل الأفراد لتذكر الموضوعات التي تتفق مع اتجاهاتهم وقيمهم.
حيث أن الأفراد ينسون بسرعة كبيرة المواد التي لا معنى لها، في حين تكون نسبة النسيان أقل للمواد التي لها معنى، وخاصة إذا كانت متعلقة بحقائق ومفاهيم لها صلة بالاتجاهات والقيم السابقة للأفراد، فقد افترض بعض الباحثين أن هناك صلة وثيقة بين الاتجاه والتعرض للرسالة الإعلامية، كذلك إدراك محتوى الرسالة وأخيراً تذكر هذا المحتوى.
ومن هؤلاء الباحثين لأزرسفليد وبيرلسون وجوديه في كتابهم “اختيار الشعب”، حيث ثبت لهم أن ثلثي أفراد الحزب الجمهوري شاهدوا واستمعوا أكثر إلى الدعاية التي تؤيد حزبهم، كذلك الحال بالنسبة لأفراد الحزب الديمقراطي، وتوصلوا إلى أن الحملات السياسية تعمل أساساً على تنشيط وتدعيم الاستعدادات السابقة؛ لأنه من بين العوامل التي تساعد على التأثير التعرض الانتقائي.
وتقوم نظرية التنافر الإدراكي أساساً على هذه الفكرة، كذلك وتؤكد الدراسات التي أجراها العالِم شارم وكارتر عام 1958 هذه النتيجة فقد وجدا أن الجمهوريين شاهدوا برامج المرشح الجمهوري أكثر من الديمقراطيين، وأن متوسط زمن التعرض للبرنامج الجمهوري عند الجمهوريين، كان أعلى من متوسط زمن التعرض لهذا البرنامج عند الديمقراطيين.
ومع هذا يرى الباحثون أمثال روزين وفريدمان وسيرز، أن الأفراد في أثناء عملية تكوين الرأي يفضلون التعرض للإعلام المخالف عن الإعلام المؤيد، ويفسر سيرز هذا التفضيل بأنه يرجع إلى رغبة الأفراد في التعرف على وجهتي النظر المتضادتين قبل أن يلتزموا برأي محدد. وتحت مجموعة الأفكار السابقة التي يعيها، أو منتمياً إلى نوعها انتماء يكاد يكون تاماً.
وإن عملية الإدراك هي في مجالها إعطاء معنى لعوامل حسية واردة علينا، وإعطاء المعنى هو النتيجة التي تظهر في شعورنا بعد مجموعة من العمليات العصبية التي تتكتمل غالباً بعيداً عن مستوى تنبهنا ويقظتنا، وتدور حول تنظيم تلك العناصر الحسية بمحاولة إدماجها في التنظيمات، أو ما نسميه عادة بالأطر الذهنية المترسبة في نفوسنا أثناء خبراتنا الإدراكية السابقة.
والمهم أن عملية الإدراك تنطوي دائماً على تنظيم وتفسير للجديد في ضوء القديم. وهنا تتمثل الثغرة التي تنفذ منها أحياناً أضرار الأفكار السابقة. وإن وقوع الضرر ليس حتمياً كحتمية عملية التنظيم نفسها أنه يقع إذا توافرت شروط معينة، كأن تكون عملية الإدراك في لحظاتها الأولى، أو تكون الخصائص الطبيعية للشيء الذي ندركه غير واضحة لنا بالدرجة الكافية، أو تكون شخصية المدرك متصلبة قليلة المرونة.
أما إذا توافرت الشروط المضادة لذلك فأعدنا النظر في موضوع الإدراك مرات متعددة، وبرزت خصائصه الطبيعية بما فيه الكفاية، وكانت شخصية المدرك تمتاز بدرجة معقولة من المرونة الفكرية القدرة على تغيير زاوية والنظر إلى الأشياء، فإن احتمال وقوع هذا الضرر يتضاءل بشكل ملحوظ. ويتكون الإدراك من تفاعل مجموعتين من العناصر إحداهما بنائية موضوعية، والأخرى وظيفية ذاتية، الأولى تتصل بخصائص الشىء المدرك والثانية ترتبط بالفرد الذي يدرك.
وقد ركَّز علماء النفس على ثلاثة أشكال بالنسبة للعناصر البنائية للإدراك هي: التماثل والانفراد والتميز؛ فالتماثل ينصب على رؤية الأشياء المتشابهة كوحدة ذات خصائص عامة موحدة، والخبير المتخصص الذي يدرك الفروق الدقيقة بين مجموعات إذا كانت هناك فروق بينها. وتستمد العناصر الوظيفية للإدراك من حاجات الفرد، حالته المزاجية العابرة وتجاربه السابقة.
وتؤثر الحالة المزاجية على رؤية الإنسان للواقع وإدراكه للتفصيلات الدقيقة للموقف، فالإنسان الغاضب أو المتوتر أو الذي يعاني من حالة إحباط مؤقتة، يرى في الواقع أشياء قد لا يراها إذا كان هادئاً مطمئناً مفعماً بالأمل. أمّا أن تجارب الإنسان السابقة وخاصة المثيرة منها تؤثر على إدراكه للأحداث والمواقف الحاضرة، وهي أحد العوامل الرئيسية التي يتم على أساسها الإدراك الانتقائي لمواد الاتصال.
ولقد قيل إن الإنسان يعيش بعقيدته، وهذا صحيح لأن الفرد لا يستطيع أن يتحقق من صحة كل الآراء المعروضة عليه عن مئات الأشياء في الحياة، وهو لذلك يقبل بدون تحقيق الكثير من هذه الآراء بالتوارث، لذلك كان من الضروري للعلاقات العامة أن تكون حساسة إلى أقصى مدى فيما يتعلق بالمعتقدات، فالإنسان العادي بمعتقداته الراسخة دينياً أو سياسياً أو اقتصادياً، لا يمكن أن يقبل أي دعوة تتعارض مع معتقداته.
وليس من الصعب إغراء الناس على فعل ما يتوقون إليه، كما أنهم لا يقدمون على عمل نتيجة لصفحات قرؤوها أو خُطب سمعوها، إنما تكون تصرفاتهم نتيجة لتعرضهم منذ الطفولة إلى تربية معينة، وتوجيه سلوكي متراكم. ويُعدّ مركز التمييز بالعقل، وهو الذي ينتقي المعلومات ويصنفها ويقومها مع عدم إغفال تأثير العوامل الوسيطة في العملية الاتصالية ليستخلص منها النتائج وينفذها، ومن المؤسف أن قليلاً من الناس هم الذين يتمرسون على عملية التمييز هذه، بل إن المتخصصين الذين يعتد بأحكامهم في ميدان تخصصهم يتصرفون كغيرهم في غير هذا المجال، فيقفزون إلى النتائج بدون تحقق أو بغير معلومات كافية أو صحيحة.
وكثيراً ما يلجأ رجال الساسة وأتباعهم إلى استغلال هذا القصور في خداع الجماهير، وتضليلها بالبيانات التي لا تستند إلى أي أساس واقعي. وهذه العوامل الستة تؤثر على الصورة داخل العقل، بينما تؤثر صفات التقديم غير المباشر للواقع على الصورة وهى في طريقها إلى العقل. وما زال هذا التأثير أو ذاك غير محدد بدقة علمية كافية، ولكن الذي لا شك فيه أن المعلومات لا تصل بدون أدنى تغيير نتيجة لهذه العوامل.
ويترتب على ذلك أن هناك حدوداً قصوى للتفاهم لا تصل إلى درجة الكمال، وأقصى ما تطمع فيه البشرية هو تضييق منطقة اللافهم إلى أدنى حد ممكن. وإذا كنا قد فصلنا الحديث عن التحديات التي تواجه رسم صورة حقيقة في أذهان جماهير المؤسسة، فإن الهدف من ذلك أن يضع خبير العلاقات العامة هذه التحديات نصب عينيه وهو يخطط لرسم هذه الصورة وتكوين معالمها.
وألا يكتفي بصياغة الرموز ووسائل نقلها إلى الجمهور، مطمئناً إلى وصول المعنى على النحو الذي يقصده، فالموقف الاجتماعي والظروف النفسية والاستعدادات السابقة كلها عوامل تؤثر على دورة الاتصال وتأثيره، وهى قد تساعد على تدعيمه أو تقف عقبه فئ طريقة كما أنها قد تؤدي إلى نتيجة مخالفة لما كان يرمى إليه المرسل.


شارك المقالة: