أثر البحتري في الشعر الأندلسي

اقرأ في هذا المقال


ازدهر الشعر والأدب في الأندلس بشكل كبير، وخصوصًا بعد دخول أرض الأندلس العديد من الأصول والأعراق، وقد عرف عن الأدب الأندلسي مدى تأثره بأدب وشعر المشرق العربي، وكان للأدب المشرقي أثر واضح في تطور وازدهار الأندلس، وبقي الأدب والشعر الأندلسي مقيد بقيود المشرق إلى أن جدّت الأحداث التي قلبت الموازين وجعلت الأدب الأندلسي يفك قيود التقليد ويستحدث أدب وعلم خاص بالأندلس، وفي هذا المقال سنتناول أثر البحتري وأدبه في الأدب الأندلسي.

نبذة عن حياة البحتري

هو أبو عبادة الوليد بن عبيد الله بن يحيى بن عبيد بن شملال الطائي البحتري، وكان يعرف بأبي عبادة، وعرف بلقبه البحتري، ولد في مدينة منبج، سكن البحتري في بادية المنبج، وهكذا تطبّع بأطباع البادية وأساليبها، وتغذى على فصاحتهم.

وكان حافظًا لكتاب الله، وعرف عنه حفظه للكثير من الأشعار والخطب، وكان يتردد على مجالس العلم التي كانت تقام في المساجد، وكان يتعلم فيها ويأخذ من علماء المجالس ما يفيده في اللغة والنحو وكذلك توجه إلى تعلم الفقه والتفسير والحديث وعلم الكلام.

وظهرت لديه مَلكة الشعر في وقت مبكر من عمره، وسرعان ما توجه إلى نظم الأشعار، وتميز فيه بشكل ملحوظ، وتعدّا طموح البحتري حدود مدينة منبج، وتوجه بطموحه إلى بلد أكبر وينتقل إلى مدينة حلب، ويقابل فيها أبو تمام الذي يلقب بشيخ الصنعة الشعرية، وتعلم عنه أساليب الشعر والإبداع فيها والزخرفة، وظل يتابع البحتري أبو تمام ويمشي على خطاه حتى سطع نجمه في الآفاق.

وعرف عن البحتري روحه المرحة، والذي يقرأ شعر البحتري ويتمعن فيه يرى أنه مرح لا يعرف الكآبة، يضفي على نفس المتلقي نوعًا من الفرح والسرور، وتميز في شعر المدح ولم يكن يمدح شخصًا إلا عندما يرى منه موقفًا يستحق من خلاله المدح، والممدوح عند البحتري يجب أن يكون له تاريخ وأثر في الأمة.

كان البحتري يتصف بالعدل ومن أهل الفضل، يعترف لأهل الفضل بفضلهم ولا ينسب لهم ما ليس بهم، وقال له مجموعة ممن سمعوا شعره بأنه أشعر من أبي تمام، فرد عليهم أن هذا الكلام لا يفيده بشيء وفي نفس الوقت لا يضر أبو تمام، وأخبرهم أن الفضل يعود لأبي تمام، وأنه أخذ وتعلم منه الكثير حتى وصل إلى هذه المرحلة.

أثر البحتري في الشعر الأندلسي

عاش البحتري حياته سائرًا على نهج القدماء ويتبع خطاهم، وقال عنه النقاد أنه أول من استخدم مصطلح عامود الشعر، وقالوا عنه أنه أعرابي الشعر مطبوع على مذهب الأوائل والقدماء.

وقد تأثر أدباء وشعراء العصر الأندلسي في بداية الأمر بمذهب وأدب المشرق العربي، ومن هؤلاء الأدباء والشعراء الذين أثروا بشعراء الأندلس بشكل كبير كان البحتري.

تأثر شعراء الأندلس بشعر البحتري بشكل كبير، والدارس لشعر البحتري والشعر الأندلسي يرى هذا التأثير واضح في الشكل والمضمون، وتوجه كثير من شعراء الأندلس إلى استخدام الألفاظ الجزلة والقوية، متأثرين بألفاظ البحتري، ونرى طابع البداوة يظهر في شعر البحتري وينعكس بشكل كبير على أشعار أهل الأندلس على الرغم من الطبيعة الخضراء الخلابة التي تتمتع بها أرض الأندلس.

وفي شعر المدح نهج شعراء الأندلسي نهج البحتري في شعر المدح إذ كان لا يمدح الرجل إلا لصفة مميزة فيه تستوجب المدح واستخدم في شعر المدح الألفاظ الجزلة القوية، وكل هذا ظهر على أغلب شعراء المدح الأندلسي.

أما في شعر الرثاء نهج شعراء الأندلس نهج البحتري، وكان هذا النوع من الشعر من أكثر أنواع الشعر المتأثرة بالإسلام، وكانت فكرة البحتري في شعر الرثاء تدور حول الصبر، واحتساب الأجر عند الله، كما ظهرت فكرة الشهادة بأغلب قصائد الرثاء، وانعكست هذه الأفكار على شعر الرثاء الأندلسي متأثرين بشعر البحتري.

بخصوص شعر الغزل عرف عن البحتري أنه كان قليل في نظم شعر الغزل لكنه كان يبدأ قصائد المدح بالغزل في المحبوبة، وعرف عن غزله أنه غزل عذب جميل ولكنه تقليدي لم ينظم عن عاطفة، ولكنه أحسن في فن العتاب بغزله، وتميز ببراعة الوصف وذكر في شعر الطيف والخيال، ونرى كل هذه الصفات متمركزة في أشعار أغلب شعراء الغزل الأندلسي الذين تأثروا بشعر الغزل للبحتري.

ومن هنا نرى مدى تأثر الشعراء الأندلسيين بشعر البحتري في العديد من الظواهر، وكان له حضور لافت في شعر الأندلس بشكل واضح وخصوصًا من ناحية الأسلوب والمعاني وكذلك الألفاظ.

ونرى أن كبار الشعراء الأندلسيين أعجبوا بأدب وشعر البحتري فنظموا في نفس مواضيع البحتري ولكن ظلوا محافظين على شخصيتهم الأندلسية.

من أبرز شعراء الأندلس المتأثرين بشعر البحتري

كان ابن حمديس من أبرز الشعراء الذين تأثروا بشعر البحتري في وصف البركة والتي يقول فيها:

وضراغم سكنت عرين رياسه

تركت خرير الماء فيه زئيرا

فكأنما غشى النضار جسومها

وأذاب في أفواهها البلورا

أسد كان سكونها متحرك

في النفس لو وجدت هناك مثيرا

وتذكرت فتكاتها فكأنما

أمقت على أدبارها لتثورا

وفي النهاية نستنتج أن الأدب المشرقي كان له تأثير كبير في الأدب الأندلسي، أدى ذلك إلى نقلة نوعية في أدب وشعر الأندلس، ومن الشعراء المشرقيين الذين كان لهم بصمة واضحة في الشعر الأندلسي، الشاعر الكبير البحتري.


شارك المقالة: