أدب الوفادة في العصر الأموي

اقرأ في هذا المقال


تطور الأدب في العهد الأموي تطورًا كبيرًا وتنوع مواضيعه ويعود سبب هذا التطور إلى الصبغة المشرقية التي قامت عليها الدولة وأن حكامهم مشرقيين أصحاب اللغة والبلاغة، وكان لِعنايتهم واهتمامهم دور في ازدهار الأدب كما عملوا على استقطاب أهل العلم لبلادهم، وفي هذا المقال سنوضح أدب الوافدين إلى هذه الدولة في ذلك العصر.

معنى الوفادة

قال تعالى: ” يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا ” يعرف الوفد بالركبان، وكتب الأصمعي: ” وفد فلان يفد وفادة إذا خرج إلى ملك أو أمير، وفد عليه وإليه يفد وفدًا ووفودًا ووفادة وإفادة، على البدل: قدِم، فهو وافد.”

وقال سيبويه: ” سمعناهم ينشدون بيت ابن مقبل: “

إلا الإفادة فاستولت ركائبنا

عند الجبار بالبأساء والنعم

والوفد من الأنعام: ما سبق مَثيلها، وَالوافدون هم جماعة من القوم يردون الديار ومفردهم وافد، وقال تميم بن مقبل عن الوفادة:

تراءت لنا يوم السيار بِفاحِمٍ

وسنَّةُ ريم خاف سمعًا فأوفُدا

تطور الأدب في العصر الأموي وظهور الوفادة

ازدهر الأدب في ذلك الوقت بجميع أشكاله وتنوعت المواضيع لهذا الازدهار عوامل ساعدت على تطوره ومن أهمها نشأته في بيئة مشرقية، وحكامها من أهل المشرق أصحاب لغة الضاد والبلاغة كما تنوعت مجالس الأدب فكانت تقام في الأسواق وفي بلاط ولاة الأمر، ولكل قبيلة أدباؤها الذين يدافعون عن قبيلتهم من خلال ما ينتجونه من آداب سواء أكان شعرًا أو خطب وغيره.

كما قام خلفاء هذا العصر بإحياء الأدب القديم أيضًا عقد المجالس التي تُعنى بالأدب بجميع أشكاله وكانوا يجزلوا العطايا لأهله، كما اهتموا بالكتابة وجعلوا أمهر الكتَّاب في ذلك الوقت مسؤولين عن أهم مناصب الدولة وعمدوا إلى تشجيع رواد الكلام المنظوم واطلاق الحرية لهم وأجزلوا العطايا لحثهم على النظم والإجادة.

وذكاء من الحكام حيث أشغَلوا الناس عن أمور حكمهم وسيادتهم بالأدب والشعر عن أمور السياسة وعمدوا إلى استغلال الوفادة ومن ذلك ما وقع في بلاط عبد الملك، من تنافس بين رواد الأدب وما حدث بين جرير والأخطل أمامه، والتهكم الذي دار بينهما من قبل ولم يلتقيا بعدها إلا في مجلس عبد الملك فتحدث جرير:

” من أنت؟ فقال: أنا الذي منعك نومك، وهضم قومك، فقال له جرير: ذاك أشقى لك، ثم أقبل جرير على عبد الملك فقال: من هذا يا أمير المؤمنين؟ فضحك وقال: هذا الأخطل يا أبا حزرة، فقال: لا يكون ذلك في مجلسي، فوثب جرير مغضبًا، فقال عبد الملك: قم يا أخطل، واتبع صاحبك، فإنما قام غضبا علينا فيك، فنهض الأخطل، فقال عبد الملك لخادم له أنظر ماذا يصنعان إذا برز الأخطل.”

وفادة أم سنان بنت خيثمة على معاوية بن أبي سفيان

عمد الحكام الأمويين على سؤال الوافد سواء أكان ذكرًا أم أنثى ويستفسروا عن ماضيه وعن علاقته بالسياسة وهل هو من الموالين لهم أو من الأحزاب المعارضة لسيادتِهم، ومما ذكر بخصوص ذلك أن مروان وهو من ولاة الأمر قام بسجن فتى من بني ليث في جرم فقدمت جدته أم سنان إلى مروان وحدثته بأمر الفتى، لكن مروان أغلظ لها وأحجم عنها فتوجهت إلى معاوية وافدة وعرَّفت بنفسها، فعرفها ورحب بها: 

” مرحبًا بابنة خيثمة، ما أقدمك أرضنا وقد عهدتك تشتميني وتحضين علينا عدونا؟ قالت: إن لبني عبد مناف أخلاقًا طاهرة، وأحلاما وافرة، لا يجهلون بعد علم ولا يسفهون بعد حلم، ولا ينتقمون بعد عفو، وإن أولى الناس باتباع ما سن آباؤه لأنت، قال صدقت نحن كذلك، فكيف قولك:”

عزب الرقاد فمقلتي لا ترقد

والليل يصدر بالهموم ويورد

يا آل منحج لا مقام فشمروا 

إن العدو لآل أحمد يقصد

هذا على كالهلال  تحفُه

وسط السماء من الكواكب أسعد

خير الخلائق وابن عم محمدٍ

إن يهديكم بالنور مِنه تهتدوا

ما زال متشهد الحروب مظفَّرا

والنصَّر فوق لوائِه ما يفقد

فاعترفت بهذا الكلام وتمنت أن يكون عونًا وخلفًا فقال رجل كيف وهي القائلة:

أما هلكت أبا الحسين فلم تزل

بالحق تُعرف هاديًا مهديا

بعد سماعها وتبرير أقوالها أمر معاوية بخطاب يبعثه لمروان يأمر بإطلاق سراح الفتى، وأمر بزاد وراحلة لتعود لديارها.

وفادة حارثة بن بدر الغُداني على زياد بن أبيه

وفد رواد الأدب إلى الخلفاء وولاة الأمر بهدف المدح ومثال عليه قول الحارثة مادحًا لزياد عندما وفد إليه:

فأنت إمام معدلةٍ وقصرٍ

وحزم حين تحضر الأمور

أخوك خليقة الله ابن حرب 

وأنت وزيرة نعم الوزير

بأمر الله منصور معان

إذا جار الرعية لا تجور

وكنت حيًا وجئت على زمان

خبيث ظاهر فيه شرور

فلما قام سيف الله فيهم

زياد قام أبلج مستنير

وكانت الوفود القادمة تمدح الحجاج ومثال عليه قول فرج العجلي:

بنى قبّة الإسلام حتّى كأنّما

هدى الناس من بعد الضلال رسول

إذا جار حكم الناس ألجأ حكمه

إلى اللّه قاض بالكتاب عقول

خليل أمير المؤمنين و سيفه

لكلّ إمام صاحب و خليل

به نصر اللّه الخليفة منهم

و ثبّت ملكا كاد عنه يزول

فأنت كسيف اللّه في الأرض خالد

تصول بعون اللّه حين تصول

وفادة الأعشى على الحجاج

قدم الأعشى إلى الحجاج وافدًا مادحًا له وخصوصًا بعد قضائه على ثورة الأشعث واصفًا إياهم بجيش فسق وأهل فجور وضلال، وكيف قضى عليهم الحجاج وأبادهم وفي ذلك يقول:

أبى الله إلا أن يتمم نوره

ويطفئ نار الفاسقين فتخمد

وينزل ذلاً بالعراق وأهله

لما نقضوا العهد الوثيق المؤكدا

وما أحدثوا من بدعةٍ وعظيمةٍ

من القول لم تصعد إلى الله مصعدا

وقتلاهم قتلى ضلال وفِتنةٍ

وحيهم ملقىَّ للفتوح معودا

وفادة الأخطل على عبد الملك بن مروان

وفد الأخطل لعبد الملك عندما حقق النصر وأنشد:

خفَّ القطين فراحوا مِنك أو بكروا

وأزعجتهم نوى في صرفها غير

إلى امرئ لا تُعرينا نوافله

أظفره الله فليهنأ له الظفر

كما أسهب في مدح عبد الملك وذكر صفاته وبأسه وكرمه وحسن تدبيره في أمور العدو ومعرفة كيف يرد عليهم ومن قوله في ذلك:

نفسي فداء أمير المؤمنين إذا

أبدى النواجذ يومًا صارم ذكر 

الخائض الغمر، الميمون طائره

 خليفة الله يستسقى به المطر

في نبعةٍ من قريش يعصبون بها

ما إن يوازى بأعلى نبتها الشجر

وفي النهاية نستنتج إن الفترة الأموية كان عهد النهضة للأدب والعلوم وكان للحكام أثر في تطوره فأجزلوا الهبات لرواد الأدب وأهله، كما قاموا على إنشاء المجالس لهذا الغرض وكان يفد إليهم العديد من الوفود الذي تميزوا بأدبهم سواء أكانوا مادحين أو متظلمين.


شارك المقالة: