كان أدب الولاة في العصر الأموي زاخر يحمل في طياته أشكال النثر المتعددة مثل الخطابة والمناظرة والوصايا والرسائل وغيرها، وهي تنُم عن أدب رفيع سواء أكان نثرًا أم شعرًا مناهضًا ومؤيدًا للحكم الأموي الذي يستظل بظَلاله، وفي هذا المقال سنتناول أدب الولاة ونتاجهم في ذاك الوقت وبيان أثره في المجتمع.
أدب الولاة في العصر الأموي
يعد أدب الولاة في هذا العصر من أزهى الآداب، إذ مرَّ بالعديد من المراحل التي ساعده على التطور والازدهار، ولقد ساعد في إظهار ملامح العصر وأوضاعه التاريخية والاجتماعية التي عاشها في تلك المرحلة.
أدب الولاة هو الحصيلة الأدبية سواء أكانت نثرًا أو كلام موزون تركه لنا الولاة الأدباء من وصايا وخطب وحكم، وما نُسِب إليهم من كلام منظوم، وتميز بعدة خصائص وسمات تجعله متفردًا عن الآداب المشرقية.
مصطلح الوالي في ذلك الوقت يعني السلطان، وقيل أن الولاية هي إدارة أمور الدولة وهو أعلى من الأمير ومن الأعمال الموكلة له الإمامة في الصلاة والقيادة في الحرب وأيضًا جباية الأموال، وهناك قواعد وأسس في انتقاء الولاة فالحاكم يتولى أمور بلاده من مقره في العاصمة ويولي أمور إدارة الولايات والأمصار لولاة يعينهم ويختارَهُم هو، ولقد حرص هؤلاء على ولائهم وانتمائهم للحاكِم وسياسته، وداعمين له.
كما كان للعصبية دورها في تعيين الولاة وأثبتت الدراسات أن أغلبهم ينحدرون من أصول مشرقية قرشية، وقد حرصت السلطة على توجيه الولاة من أجل الاهتمام بالعلم، وكذلك تدبر آيات القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، واستقطب أهل العلم والأدب إلى مجالسهم والاهتمام بالترجمة التي أثرت الثقافة المشرقية بشكل كبير، لهذا نراهم قد توجهوا إلى إنشاء المجالس ويستقطِبون لها العلماء ورواد الكلام المنظوم، كما عمدوا إلى الاستغاثة بالفقهاء والعلم وأهل الأدب في إدارة أمور البلاد.
الأشكال الأدبية التي برع فيها الولاة
1- الخطابة: تطورت بشكل كبير في هذا الوقت، وتعلق بها الناس لهذا نراها دائمة الحضور في المجالس وأماكن القضاء وفي البيوت، حتى أنها تواجدت في ساحة المعارك، حيث تُلقى من قبل القائد للتحميس، وقد اهتم الولاة بأساليب اللغة من استفهام وأمر وإثبات وغيره من الأساليب؛ كي يتمكنوا من كتابة الخطبة ولفت انتباه المتلقي وجذبه لسماعها.
كانت الخطابة في تلك الفترة بمثابة سلاح قوي يلجأ إليه الولاة من أجل الرعاية لأنفسهم واستملاك القلوب وتهديد الأعداء، ومثال عليها ما قاله زياد بن أبية عندما هزم الخوارج: ” يا أهل البصرة: ما هذا الذي اشتملت عليه؟ إني أعطي الله عهدًا لا يخرج عليَّ خارجي بعدها فأدع من حيه وقبيلته أحدًا، فأكفوني بوائقكم فقاموا خطباء البصرة فتكلموا واعتذروا.”
ولن ننسى خطبة الحجاج حين قال: ” أما والله فإني لأحمل الشر بثقله وأخذه بنعله وأجزيه بمثله، والله يا أهل العراق إني لأرى رؤوسًا قد أينعت وحان قطافها وإني لصاحبها، والله لكأني أنظر إلى الدماء بين العمائم واللحى وانى دعوت الله أن يبلوكم فاستجاب.”
2- الرسائل: لقد تطورت الكتابة في ذاك الوقت بشكل كبير واهتم بها ولاة الأمر لما لها من فائدة في تفسير أفكارهم ونشرها في البلاد بكتابة الرسائل، وظهر أشكال منها الديوانية والسياسية وكذلك الأدبية وغيرها وعَظَم شأنها وتتصف في تلك الفترة بالبساطة والحكمة والإطناب.
تَنبَّه الولاة لأهمية الكتابة؛ لأنها الطريقة الأنسب لتحقيق المبادئ وتوجيه الرعَّية وضمان الحقوق وبواسطة الرسائل وجه الولاة قادتهم وأعمالهم ولقد تنوعت الرسائل في تلك الفترة منها:
1- السياسية: ولقد عكست الجوانب السياسية في تلك الفترة وأظهرت أحداثها النزاعات فيها.
2- الحربية: حيث كثرة النزاعات والفتن وظهرت الأحزاب حيث عملت على بروز هذا النوع من الرسائل الذي يحض على قتال الأعداء، وبث الحماسة في نفوس المقاتلين، ويكثر في ها النوع العتاب والإنذار والوعيد وكذلك القسم.
ومثال عليها كتاب الحجاج إلى محمد بن قاسم: ” سر فأنت أمير على ما تفتحه.”
وكذلك رسالة موسى بن نصير لطارق بن زياد ويقول: ” أتمها سبعًا ثم سر بها إلى شاطئ البحر واستعد لشحنها، فإذا كان يوم واحد وعشرين منه، فاشحن على بركة الله كما أمرتك إن شاء الله.”
ولقد جاءت هذه الرسائل في بعض الأحيان على هيئة وصايا ومثال عليها وصية الحجاج لقائده قتيبة الباهلي حيث قال له: ” لا تخاطر بالمسلمين حتى تعرف موضع قدمك ومرمى سهمك.”
3- العهود: اتصف بالدقة والشمولية في هذا العصر حيث كثرت بشكل كبير نتيجة للأوضاع السياسية ومثال على هذه العهود التي تمت باسم الحجاج صلح قتيبة بن مسلم مع ملك سمرقند، وقد جعل قتيبة له في هذا العهد: ” عهد الله وذمته باعتبار الأخير هو المسؤول المباشر عن قتيبة بن مسلم.”
4- التوقيعات: تطورت المراسلة في تلك الفترة وزاد الاهتمام بالتَوقِيعات التي كانت توشح تلك الرسائل وهي رد موجز شامل لكل ما تحتويه الرسالة، ولقد تعددت أشكالها وتطورت أساليبها عند الولاة فكان منها ما هو آية قرآنية ومثال عليها توقيع سعيد بن العاص في رسالته لزيد: ” كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى.”
وقد يكون على هيئة بيت شعري مثلما خطه قتيبة الباهلي لعبد الملك يتوعد له بالخلع فوقع عبد الملك في رسالته:
زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا
أبشر بطول سلامةٍ يا مربع
وقد يأتي التوقيع في رسالة على هيئة مثل دارج مثل توقيع معاوية في رسالة عبد الله بن عامر يسأله أن يهب المال: ” عش رجبًا ترى عجبًَا.”
ومنها ما يكون حكمة ومثال عليها ما وقَّعه الحجاج لعبد الملك: ” لأجمع المال من عيش أبدًا، وفرقنه تفريق من يموت غدًا.”
وفي النهاية نستنتج إن أدب الولاة كان في العهد الأموي زاخرًا يحمل في طياته الكثير من أشكال النثر التي أعانتهم في توصيل أفكارهم للناس والقادة وإدارة شؤون بلادهم، مثل الخطب والتوقيعات وبرز الكثير من الولاة في مجال الأدب مثل الحجاج ومعاوية وغيرهم الكثير.