أسطورة آريون هي أحدى الأساطير التي توالت عبر العصور من الثقافة اليونانية التي تأتي في قصة صبي ذو صوت جميل والذي يساعده ملك كورنثوس بتنمية موهبته، ثم ينوي الغبحار ويتعرض للسرقة ومحاولة قتله من القراصنة فتقوم الدلافين بإنقاذه.
لقاء بيرياندر بأريون الصبي الصغير
حدث ذات مرة في الأيام الخوالي أنّ الشاب بيرياندر كورنثوس بدأ من ميناء في جنوب اليونان للإبحار إلى ميليتس، ونظرًا لوقوعها في عاصفة تم نقل القارب عن مسارها حتى جزيرة ليسبوس حيث مكثت لعدة أيام من أجل إصلاح الأضرار التي سببتها العاصفة، وفي هذه الأثناء نزل بيرياندر وانشغل بالتجول في الجزيرة ومراقبة سكانها، وأثناء تجواله جاء ذات مساء على مجموعة من الرجال والنساء جعله مشهدهم يتوقف مع الشوق للانضمام إليهم، فكانوا يعملون بجد طوال اليوم ويجمعون العنب ويضغطون عليه في أوعية خشبية كبيرة لاستخراج النبيذ الذي اشتهرت به ليسبوس، والآن في مساء الخريف الجميل كانوا يفرحون بعد أعمالهم.
لا عجب أنّ بيرياندر بقي لمشاهدتهم لأنّهم رسموا صورة جميلة للغاية، وفي وسط الراقصين جلس صبي يعزف على عود صغير بسبعة أوتار، ولهذه المرافقة ردد الراقصون أغنية في مدح ديونيسوس إله الكرمة، وتدريجيًا أصبحت الموسيقى أسرع وأسرع وكانت أقدام الراقصين تتسارع على الأرض حتى تنفث أنفاسهم جميعًا ويضحكون على العشب، ثم عندما ضرب الصبي وترًا آخر هدأت كل ضحكاته وبدأ في الغناء، ولقد كانت أغنية بسيطة وحزينة ولكن كان هناك سحر في صوته جعل المستمعين يتألقون، ولعبت أشعة الشمس الأخيرة حول تجعيد الشعر الذهبي وأضاءت وجهه الطفولي الجميل.
في نهاية الغناء عرف بيرياندر أنّ هذا الصبي يدعى أريون، والذي أخبره عن فقدان والديه وهو صغير وأنّه راعي للماعز ثم أصبح منشدًا التي تعلم الإنشاد من أحد المنشدين المتجولين، فأعجب بيرياندر بالصبي وعندما رحل ترك بيرياندر مبلغًا من المال مع زوجان عجوزان جديران وعدا بالاعتناء بالصبي، وبعد بضع سنوات أصبح بيرياندر ملك كورنثوس ولديه حب لكل شيء جميل وسرعان ما جمع حوله مجموعة صغيرة من الشعراء والفنانين والموسيقيين، وفي أحد الأيام عندما كان يستمع إلى أحد موسيقيي البلاط تذكر أريون الصغير.
وأمر بإحظار جلوكوس الذي أمره الملك بأخذ قارب والإبحار إلى ليسبوس للبحث عن اريون وإحظاره إليه، وفعل جلوكوس ما كان يُطلب منه وفي الوقت المناسب وجد آريون الذي أصبح الآن شابًا طويل القامة ورشيقًا، وعندما سمع أريون الرسالة وافق على مرافقة جلوكوس إلى كورنثوس حيث استقبله بيرياندر بلطف كبير، وسرعان ما أصبح مفضلاً لدى أهل كورنثوس وحسده جميع الموسيقيين على صوته الجميل ومهارته في العزف على العود، فلا أحد لديه مثل هذه القوة لتهدئة الملك في مزاجه الأسود، ولم تكن شهرته كمغني معروفة في البلاط وحدها لأنّه كان دائمًا على استعداد للغناء للناس الذين جعلوه مثله وأطلقوا عليه لقب ابن أبولو.
رحلة أريون
بقي أريون لسنوات عديدة مع بيرياندر الذي جعله يكرمه كثيرًا وحمله بهدايا باهظة الثمن، وانتشرت شهرته حتى إيطاليا وصقلية وكان لديه العديد من الطلبات ليذهب ويغني للناس هناك، ومطولاً قرر القيام بالرحلة ليس فقط بدافع الفضول لرؤية بلدان جديدة ولكن أيضًا لأنّه سمع عن الأغاني التي غناها الرعاة الصقليون وكانت لديه رغبة كبيرة في دراستها، فحاول بيرياندر ثنيه ولكنه وجده مصممًا وساعده في استعداداته وعند مغادرته طلب منه وعدًا بأنّه سيعود إلى كورنثوس.
سافر أريون حول إيطاليا وصقلية لفترة طويلة وحقق ثروة كبيرة من غنائه، ولكن بعد أن شعر بالتعب في نهاية حياته ذهب إلى تارانتوم للعثور على سفينة ستعيده إلى كورنثوس، وكانت هناك سفينتان أو ثلاث سفن جاهزة للقيام بالرحلة من بينها واحدة تُدعى نوسيكا والتي كان يديرها طاقم من سكان كورينثوس، فاختار هذا كونه قلقًا إلى حد ما بشأن المبلغ الكبير من المال الذي كان يحمله واعتقد أنّه يمكن أن يثق في أهل كورنثوس الذين كان يعرفهم أفضل من طاقم من الأجانب.
كانت نوسيكا عبارة عن إناء غريب المظهر بشراع واحد ومجاديف طويلة يسحبها رجال جلسوا على مقاعد على طول جانبها، ووقفت المقدمة التي تم نحتها لتمثيل نوسيكا العذراء بعيدًا عن الماء ونزلت الأسوار في منحنى رشيق لترتفع مرة أخرى في المؤخرة، حيث وقف القبطان وشكل مساره عن طريق مجداف عريض والذي تم تعليقه على الجانب، وبدأت الرحلة بسعادة كافية وكانت الرياح مواتية وكان القبطان والطاقم كل الاحترام والأدب.
ولكن عندما ذهبوا إلى البحر تغير سلوك الطاقم حيث أجابوا على أسئلة آريون بأدب ضئيل وأجروا العديد من المشاورات الهمسية، والتي كانت من النظرات السوداء التي ألقيت عليه جعلته غير مرتاح بشأن سلامته، وفي المساء الثاني بعد أن استيقظ من نومه الخفيف سمعهم يتآمرون لإلقائه في البحر وتقسيم ثروته بينهم، وبدأ أريون وحثهم على عدم تنفيذ غرضهم الشرير وعرض تسليم كل ثروته إذا كانوا سيحفظون حياته، وكانت توسلاته ووعوده تذهب سدى، فتخلى أريون عن دعواته الباطلة من أجل الرحمة وتوسل إليهم كخدمة أخيرة للسماح له بالغناء مرة أخرى قبل وفاته، فوافق القبطان على ذلك.
ارتدى أريون ثيابه المقدسة حيث اعتاد أن يغني في معبد أبولو وأخذ عوده وصعد بثبات إلى مقدمة السفينة، وهناك وقف شاحبًا وهادئًا في ضوء القمر الفضي وشعره الجميل يلعب بالريح بينما كانت الأمواج الصغيرة ترفع نفسها لتنظر إليه ثم ركضوا بشكل هزلي في ظل القارب ليضربوا رؤوسهم على العوارض ويتحولون إلى رذاذ، فكان البحارة مرعوبين على أنفسهم حيث ارتفع هذا الصوت الجميل في النسيم، وغنى الأغنية القديمة التي غناها في كروم العنب عندما رآه بيرياندر أولاً، وعندما وصل إلى السطور الأخيرة من أغنيته قفز أريون فوق جانب الإناء، وخشي القبطان من أن بعض أفراد الطاقم قد يقومون بتقديم المساعدة له وأصدر الأمر بالسرعة القصوى بإنهاء الأمر ولو انتظر لربما رأى أجمل مشهد.
حيث كان أريون والدلفين لأنّه عندما سقط أريون في البحر بدا أنّ المياه تحته أصبحت حية وشعر أنّه يرفعه ويحمله بسرعة بعيدًا عن السفينة، ثم اكتشف أنه كان جالسًا منفرجًا على سمكة سوداء كبيرة وكانت تسبح بسرعة كبيرة على سطح الماء وكان يعلم أنّه لا بد أن يكون دلفينًا جذبته غنائه، فبالنسبة للدلافين على عكس معظم الأشياء التي تعيش في البحر لها آذان حادة ومولعة جدًا بالموسيقى.
عودة اريون إلى كورنثوس
عند عودته إلى الشاطئ تفقد عوده وأصبح يغني الأغنية تلو الأغنية لرد جميل الدلافين التي أنقذته، ثم جاء أريون إلى تيناروس في اليونان دون أن يراه أي رجل وأخذه الدلفين بالقرب من الشاطئ حيث أشرف عليه وشاهده يسبح بعيدًا بهدوء، ومن تيناروس شق طريقه سيرًا على الأقدام إلى كورنثوس، وشعر بيرياندر بسعادة غامرة لرؤيته مرة أخرى، وعندما تعجب من الزي الغريب الذي سافر به أريون روى آريون القصة بأكملها، واستمع بيرياندر باهتمام ولكنه عندما انتهى أريون من قصته شكك بيرياندر في قصته مما أزعج اريون.
فطلب أريون من بيرياندر أن يسمح له بإثبات قصته فوافق بيرياندر على ذلك، ولكن طلب ىريون من بيرياندر طلبًا بأنّه يجب عدم التحدث عن عودته، وعندما تأتي السفينة نوسيكا إلى الميناء أن يتم جعل البحارة يتم التعامل معهم كما سأعينهم آريون! فوافق الملك على طلبه مستهزئًا به لأنّه اعتبر الحكاية مستحيلة، وبعد بضعة أيام أُعلن أنّ السفينة نوسيكا كانت في الميناء، واستدعى بيرياندر القبطان وجميع أفراد الطاقم إلى القصر وسألهم عما إذا كانوا قد أحضروا أي أخبار عن المنشد أريون، فأجاب القبطان أنّ أريون لا يزال في إيطاليا ويسافر من مكان إلى آخر ويحظى بشرف كبير في كل مكان، وأكد بقية البحارة القصة وأضاف أحدهم أنّ أريون قيل إنّه يفضل إيطاليا على اليونان ولم يكن لديه أي نية للعودة إلى كورنثس.
ثم سُدل الستار وكُشف عن أريون وهو يقف في ثيابه المقدسة ممسكًا بعوده تمامًا كما رأوه في مقدمة السفينة، فظنَّ البحارة أنّهم نظروا إلى روحه فاستولى عليهم الرعب وسقطوا عند قدمي الملك يستجدوا الرحمة، ولكن بيرياندر امتلأ بالاستياء ورفضهم بغضب، وتدخل أريون ليرحمهم وفي النهاية وافق الملك بعد ذّكره آريون بشرطه وقاموا بإعادة ممتلكات لآريون ممتنين له، ولكي لا يشك أي إنسان في حقيقة القصة في الوقت المناسب نصب آريون تمثالًا من البرونز في تيناروس يمثل رجلاً يمتطي ظهر دولفين.