القصة الأسطورية القصيرة لسيريس وبروسيربين هي واحدة من الأساطير الشهيرة التي تظهر في أساطير الحضارات القديمة، حيث اكتشف الأساطير حول الآلهة القديمة والإلهات وأنصاف الآلهة والأبطال والوحوش والمخلوقات المرعبة التي واجهوها في رحلاتهم ومهامهم المحفوفة بالمخاطر، وقصة سيريس وبروسيربين المذهلة هي حقًا سهلة القراءة للأطفال الذين يتعلمون عن التاريخ والحكايا الشعبية والأسطورة اليونانية والرومانية.
أسطورة الحزن على أم الأرض
في جزيرة صقلية في أعالي الجبال كان هناك وادي جميل يسمى وادي إينا، ونادرًا ما كان الإنسان حتى الراعي لديه القدرة على التسلق عاليًا إلى هذا الحد، ولكن وحدها الماعز التي كانت قادرة على التسلق عبر أكثر الطرق انحدارًا وزلقة فوق أقسى الصخور، حيث كانت تعرف جيدًا ما هو العشب الناعم الحلو الذي ينمو هناك، كما وجدت الأغنام أيضًا وأحيانًا الخنازير البرية طريقها إلى هذه البقعة، ولم يكن وادي جبلي آخر في أي مكان مثل هذا الوادي حيث لم تزوره أبدًا أي من الرياح باستثناء زفيروس (Zephyrus) -وهو حسب الأساطير اليونانية يعد الإله اليوناني القديم للرياح الغربية التي من المفترض أن يكون ألطف الرياح ورسول الربيع- الذي كان دائمًا لطيفًا ومعتدلًا، وكان العشب دائمًا أخضر وكانت الأزهار دائمًا مزهرة.
كانت هناك بساتين مظللة من كل جانب ونوافير مياه فوارة لا حصر لها، وكان من الصعب العثور على مكان ممتع، وكان وادي إينا هذا موطنًا لسيريس (Ceres) أم الأرض وهي واحدة من أكثر الآلهة حكمة حسب ما جاء في الأساطير القديمة، وفي الواقع يدين الوادي بجماله لوجود سيريس والنباتات الرائعة التي غطت جزيرة صقلية بأكملها كانت بسبب تأثيرها، وذلك لأنّها كانت إلهة كل ما ينبت من الأرض وكانت تعرف سر نبتة الحنطة والثمار الناضجة، كما كانت ترعى الزهور والحملان في الحقول والأطفال الصغار، وينابيع الماء التي أتت من أماكن خفية على الأرض كانت لها.
ذات يوم كانت بروسيربين (Proserpine) ابنة سيريس الصغيرة تلعب في مروج إينا، وكان شعرها أصفر مثل الذهب وكان خديها ورديًا رقيقًا مثل زهر التفاح وبدت وكأنها زهرة بين أزهار الوادي الأخرى، ولقد خلعت هي وبنات حوريات الوادي اللواتي كن أطفالًا في سنها تقريبًا نعالهم وكانوا يركضون على العشب الناعم حافيات القدمين، وكانوا متحمسين مثل الحملان والأطفال الصغار، وسرعان ما بدأوا في جمع الأزهار التي نمت كثيفة من كل جانب حيث البنفسج والياقوتية والزنابق والقزحية الأرجواني الكبيرة، وملأوا سلالهم ثم ثيابهم ولفوا بخاخات طويلة من الورود البرية حول أكتافهم.
فجأة رأت بروسيربين زهرة جعلتها تنسى كل شيء آخر وبدت هذه الزهرة وكأنّها نوع غريب وجديد من النرجس، وكان حجمه هائلًا وساق الزهرة فيه ما لا يقل عن مائة زهرة، وكان عطره قويًا لدرجة أنّه ملأ الجزيرة بأكملها ويمكن ملاحظته حتى في البحر، فدعت بروسيربين زملائها في اللعب ليأتوا ويروا هذه الزهرة الرائعة ثم لاحظت لأول مرة أنّها كانت وحيدة، وذلك لأنّها كانت تتجول من زهرة إلى أخرى حتى تركت الأطفال الآخرين وراءها، وركضت بسرعة إلى الأمام لتقطف هذه الزهرة الغريبة ورأت أنّ ساقها قد شوهدت مثل ثعبان وتخشى أن تكون سامة، ومع ذلك كانت زهرة جميلة جدًا بحيث لا يمكن تركها بمفردها في المرج ولذلك حاولت قطفها، وعندما وجدت أنّها لا تستطيع كسر القصبة بذلت جهدًا كبيرًا لسحب النبات بالكامل من الجذور.
فجأة انتشرت التربة السوداء حول النبات وسمعت بروسيربين قرقرة تحت الأرض، ثم انفتحت الأرض فجأة وظهر كهف أسود كبير وخرج من أعماقها أربعة خيول سوداء رائعة ورسمت عربة ذهبية، وفي العربة جلس ملك على رأسه تاج ولكن تحت التاج كان الوجه الأكثر كآبة على الإطلاق، وعندما رأى هذا الملك الغريب بروسيربين تقف بجانب الزهرة خائفة جدًا من الهرب قام بفحص خيوله للحظة وانحنى إلى الأمام وانتزع الطفلة المسكينة من الأرض ووضعها على المقعد بجانبه، ثم قام بجلد خيوله وابتعد بسرعة شديدة.
صرخت بروسيربين التي لا تزال متمسكة بأزهارها من أجل والدتها، ورأى هيليوس (Helios) إله الشمس كما ورد في الأسطورة كيف سرق الملك ذو الوجه القاتم بروسيربين، وسمعت هيكات (Hecate) الذي جلس بالقرب من كهفها الصراخ وصوت العجلات، ولم يكن لدى أي شخص آخر أي شك فيما حدث.
رحلة البحث عن بروسيربين
في هذا الوقت كانت سيريس بعيدة عبر البحار في بلد آخر وتطل على تجمع المحاصيل، وسمعت صرخة بروسيربين ومثل طائر البحر عندما يسمع صرخة حزينة من صغارها جاء مسرعًا إلى المنزل عبر الماء، ثم ملأت الوادي بصوت نداءها ولكن لم يستجب أحد لاسم بروسيربين والزهرة الغريبة قد اختفت، وتناثرت بعض الورود على العشب بالقرب منها آثار أقدام طفلة، وشعرت سيريس بالتأكد من أنّ هذه كانت آثار أقدام بروسيربين الصغيرة العارية ولكنها لم تستطع متابعتها بعيدًا لأن قطيعًا من الخنازير قد تجولت بهذه الطريقة وتركت وراءها تشويشًا من بصمات الحوافر.
ولم تستطع سيريس أن تعلم شيئًا عن ابنتها من الحوريات، وأرسلت رسولها الرافعة البيضاء الكبيرة التي تجلب المطر ولكن على الرغم من أنّه يمكن أن يطير بسرعة كبيرة وبعيدًا جدًا على أجنحته القوية إلّا أنّه لم يستطيع أن يجلب أي أخبار عن بروسيربين، وعندما حل الظلام أضاءت الإلهة مشعلتين على قمة جبل إينا المشتعلة وواصلت بحثها، وكانت تتجول صعودًا وهبوطًا لمدة تسعة أيام وتسع ليالٍ، وفي الليلة العاشرة عندما كان الصباح تقريبًا قابلت هيكات التي كانت تحمل مصباحًا في يدها كما لو كانت هي أيضًا تبحث عن شيء ما، وأخبرت هيكات سيريس كيف سمعت صراخ بروسيربين وسمعت صوت العجلات ولكنها لم تر شيئًا.
ثم ذهبت مع الإلهة بناء على ما جاء في الأسطورة لتسأل هيليوس إله الشمس عما إذا كانت قد رأى ما حدث في ذلك اليوم لأنّ إله الشمس يسافر حول العالم كله ويجب أن يرى كل شيء، فوجدت سيريس هيليوس جالسًا في عربته مستعدًا لقيادة خيوله عبر السماء، وكان قد احتفظ بالمخلوقات النارية للحظة، بينما أخبر سيريس أنّ بلوتو ملك العالم السفلي سرق ابنتها وحملها بعيدًا للعيش معه في قصره المظلم.
عندما سمعت سيريس هذا علمت أنّ بروسيربين قد فقدتها وابتعدت عن الآلهة الأخرى واختبأت في الأماكن المظلمة على الأرض، فقد كان بلوتو يحب الابتعاد عن سكان الأرض وكذلك الآلهة لأنّها أينما ذهبت كانت متأكدة من رؤية أم سعيدة مع أطفالها من حولها وجعلها المنظر تشعر بالوحدة الشديدة، وكانت تحسد أحيانًا أفقر الفلاحين أو حتى أمهات الطيور الصغيرات في الأشجار.
كما جلست ذات يوم على جانب الطريق بالقرب من بئر تحت ظل شجرة زيتون، وبينما كانت جالسة هناك نزلت بنات سيليوس الأربع يحملن أباريق ذهبية على أكتافهن من قصر والدهن لجلب الماء، عندما رأوا امرأة عجوز حزينة تجلس بجانب البئر تحدثوا معها بلطف ولم ترغب سيريس في أن يعرفوا أنّها كانت إلهة، فقد أخبرت الأميرات الشابات الأربع أنّ القراصنة أخذوها بعيدًا عن منزلها من قبل القراصنة وهربت من بيعها لعبد بالفرار فور وصول سفينة القراصنة إلى الشاطئ.