أسطورة سيكي

اقرأ في هذا المقال


سيكي (Psyche) أي النفس أو الروح وقد حدثت في الأزمنة المتأخرة من العصور القديمة كتجسيد للروح البشرية ويتحدث عنها أبوليوس كقصة رمزية جميلة، فكانت سيكي أصغر البنات الثلاث الملك والملكة والتي كانت متحمسة بجمالها وتجسدت الغيرة والحسد من أفروديت (فينوس) وذلك بسبب جمال سيكي الاستثنائي جدًا فقد تجاوز جمال أفروديت إلهة الحب.

أسطورة كيوبيد وسيكي

في مدينة غير مسماة كان هناك ملك وملكة لديها ثلاث بنات، وعلى الرغم من أنّ الابنتان الأكبر كانتا جميلتين إلّا أنّ الأصغر سيكي كانت تمتلك جمالًا أعظم، وكان مثاليًا لدرجة أنّ الكلام البشري كان سيئًا للغاية بحيث لا يمكن وصفه أو حتى مدحه بشكل مرضٍ، وأصبح جمال سيكي مشهورًا حيث جذب الغرباء من البلدان المجاورة ليأتوا بأعداد كبيرة لمجرد النظر إليها، وأمطرها هؤلاء الحجاج بالهدايا والقرابين وذلك النوع من التكريم الذي لم يكن يُدفع من قبل إلّا إلى فينوس نفسها، وجاء الكثيرون لعبادة جمال سيكي لدرجة أنّهم أهملوا مذابح ومعابد فينوس، ولقد أساء هذا إلى حد كبير إلهة الحب التي لم تستطع تحمل سخط كونها خسفت في الجمال والعبادة من قبل امرأة بشرية مميتة.

بالتخطيط للانتقام استدعت فينوس ابنها كيوبيد (إيروس) إله الحب الجسدي والرغبة، وكان كيوبيد ماكرًا وشريرًا وكان معروفًا بسهامه التي غالبًا ما كانت تستهدف بشكل عشوائي مما تسبب في وقوع أولئك الذين ضربوا في الحب ولا أحد من بشر إلى إله محصن، وشرحت فينوس لابنها كيف تم ازدرائها وأمرته بجعل سيكي تقع في حب مخلوق شنيع لمعاقبتها، واستعدادًا للقيام بأمر والدته أخذ كيوبيد سهامه وذهب إلى حجرة نوم سيكي وهي نائمة، وعند رؤيتها بهذا القرب تغلب عليه جمالها عندما لمسها بنقطة سهم، وعند هذه اللمسة استيقظت ونظرت في اتجاهه، وعلى الرغم من أنّها لم تستطع رؤيته لأنّه كان غير مرئي فقد أذهل كيوبيد الذي جرح نفسه بسهمه في الارتباك وبعد ذلك وقع كيوبيد في حب سيكي.

في هذه الأثناء استمر المسافرون في الظهور لعبادة جمال سيكي، ومع مرور الوقت تزوجت أختها الأكبر من أمراء ولكن سيكي نفسها لم تجد زوجًا حيث بدا أنّ الرجال كانوا أكثر عزمًا على عبادتها من الزواج منها، وكان والدا سيكي منزعجين من هذا النقص في الخاطبين خائفين من قيامهم بشيء لإهانة الآلهة وزاروا المشاور الحكيم أبولو، وعندما سئل عن من ستتزوج سيكي أجاب المشاور الحكيم أنّ الفتاة يجب أن ترتدي زي الجنازة وتترك على قمة جبل حيث ستلتقي بزوجها وهو مخلوق فظيع من الثعبان يخشاه حتى الآلهة.

في ذهول لم يكن أمام الملك والملكة أي خيار سوى احترام أوامر الآلهة، وبعد قبول مصيرها ارتدت سيكي ملابس الجنازة وسمحت لنفسها أن تقاد إلى قمة الجبل حيث تُركت وحدها في انتظار زوجها، وبينما كانت تنتظر هب نسيم لطيف من زفيروس الرياح الغربية حملتها إلى بستان حيث نمت على الفور، وعند الاستيقاظ وجدت سيكي قصرًا رائعًا بالقرب من البستان والذي كان يحتوي على أعمدة ذهبية وجدران فضية وأرضيات من الفسيفساء المرصعة بالجواهر، وبينما كانت تتجول في أروقة القصر طلب منها صوت خالٍ من الجسد أن تشعر بالراحة وأنّ كل ما تراه هو لها، وأعطاها الصوت حمامًا ووليمة حيث استمتعت بالغناء غير المرئي على قيثارة غير مرئية.

هذا الشخص غير المرئي الذي سرعان ما أدركت سيكي أنّه زوجها الجديد وكان يزور سيكي في القصر دائمًا أثناء ظلام الليل ويغادر قبل شروق الشمس ويمنعها من النظر إليه، وعلى الرغم من خوفها في البداية إلّا أنّ سيكي جاءت تدريجيًا لتتطلع إلى زيارات زوجها وسرعان ما وقعت في حبه، ومع ذلك لم يوافق زوجها على السماح لها بالنظر إليه وقال لها إنّه يفضل أن: “تحبني على قدم المساواة على أن تحبني كإله”.

هجر كيوبيد لسيكي

بمرور الوقت وبقدر ما كانت سيكي تتطلع إلى زيارات زوجها الليلية فإنّها ستشعر بالحزن والوحدة خلال النهار، وذات ليلة أخبرت زوجها أنّها ترغب في رؤية أخواتها حتى تتمكن من إخبارهن بأنّها على قيد الحياة، ولم يستطع زوجها تحمل رؤية سيكي في حزن شديد ووافق على السماح لها برؤيتهم، ولكنه كرر تحذيره بغض النظر عما أخبرتها أخواتها فإنّ سيكي لن تنظر إليه، وإذا فعلت ذلك سيتركها إلى الأبد، ووعدت سيكي بأنّها لن تخون ثقة زوجها قائلة: “سأموت مائة وفاة قبل أن أترك نفسي أُسرق من هذا الزواج المبهج معك، ولأني أحبك وأعشقك بإلهاء مهما كنت كما أحب حياتي حيث كيوبيد نفسه لا يقارن معك”.

حمل زيفيروس أخوات سيكي إلى القصر وتم لم شمل الأشقاء الثلاثة، وأخذتهم سيكي حول القصر وبعد رؤية روعة منزل سيكي الجديد وتغلبت الغيرة على الأخوات، ولقد طرحوا على سيكي العديد من الأسئلة وتحديدًا عن زوجها، وفي البداية أخبرتهم سيكي أنّه كان شابًا جميلًا قضى النهار في الصيد في الجبال، ولكن أخواتها واصلت الضغط واضطرت سيكي لإخبارهم بالحقيقة لأنّها لا تعرف من هو وأنّها لم تكن تعرفه أبدًا لأنّها لم ترى وجهه.

ثم أخبرتها أخواتها بشكوكهن مذكّرات سيكي بأنّه تم التنبؤ بأنّها ستتزوج وحشًا رهيبًا، ولقد تكهنوا أنّ الحية كانت تخطط لالتهام سيكي وأنّها يجب أن تعد مصباحًا وسكينًا حادًا بجانب سريرها، وبمجرد أن ينام زوجها كان على سيكي أن تنظر إلى وجهه وإذا كانت الأفعى التي تنبأ بها المشاور الحكيم فعليها أن تقطع رأس الوحش وبالتالي تستعيد حريتها، وحاولت سيكي مقاومة هذه الأفكار ولكن حتى بعد مغادرة أخواتها وبقيت نصيحتهم في رأسها، وكلما فكرت في الأمر كلما تساءلت عن سبب إخفاء زوجها لنفسه وزاد فضولها.

وفي تلك الليلة بعد أن نام زوجها أخذت المصباح ونظرت إليه، وما رأته لم يكن وحشًا بل الإله كيوبيد الذي تعرفت على جماله حيث رأت رأسًا غنيًا من الشعر الذهبي يقطر مع الطعام الشهي وعنق أبيض الحليب وخدود وردية فوقها لفائف شعر طائشة تتأرجح، وعلى أكتاف الإله الطائر ذو أجنحة متلألئة بيضاء ندية مع لمعان ساطع، وعند أسفل السرير كان هناك قوس وجعبة وسهام وهي أسلحة كريمة للإله العظيم، وبينما كانت تميل للحصول على رؤية أفضل لوجهه سقطت قطرة من الزيت المشتعل من الفانوس على كتف كيوبيد مما أيقظه، ومن دون أن ينطق أي كلمة من شفته نشر كيوبيد جناحيه وطار من النافذة تاركًا زوجته.

قفزت سيكي من النافذة محاولة أن تتبعه لكنها سقطت على الأرض بدلاً من ذلك، وعندما نهضت أدركت اختفاء البستان والقصر وأنّها كانت في حقل بالقرب من المدينة حيث تعيش شقيقاتها، وفي بكاء شديد وجدت سيكي أخواتها وأخبرتهم بما حدث وكانت أخواتها اللائي تظاهرن بالحزن على مصيبة سيكي في الواقع مبتهجات ومعتقدين الآن أنّ كيوبيد قد تخلى عن سيكي وفقد يختار واحدة منهم، وفي صباح اليوم التالي ذهبت الأختان إلى الجبل حيث تم نقلهما إلى القصر بواسطة زيفيروس وقفزتا من القمة قاصدين الريح الغربية أن تمسكهما وتحملهما ولكن زفيروس لم يمسك بهم وسقطوا حتى تمت وفاتهم.


شارك المقالة: