اقرأ في هذا المقال
- اختبار زيوس لشعب فريجيا
- زيارة زيوس لباوسيس وفليمون
- عقاب زيوس وهيرميس لشعب فريجيا
- مكافأة زيوس وهيرميس للزوجان المضيافان
في ريف فريجيا الجبلي نمت شجرتان كانتا تثيران دهشة كل من رآهما، حيث كانت أحدهما شجرة بلوط والآخر كان زيزفونًا ومع ذلك نما الاثنان من جذع واحد، فكيف حدثت هذه الأعجوبة وماذا نتعلم من قصة وأسطورة فليمون وباوسيس وهي قصة حب قديمة، والتي في الأصل تم تضمين هذه الأسطورة اليونانية في حكاية أوفيد الأخلاقية (Metamorphoses VIII)؟
اختبار زيوس لشعب فريجيا
في بعض الأحيان كان زيوس ملك الآلهة الأولمبية يتعب من المرح والفرح على جبل أوليمبوس ويترك قصره الرائع في رحلة إلى الأرض، ومتنكرًا في زي بشري الذي سوف يذهب بعيدًا بحثًا عن المتعة والمغامرة، وغالبًا ما كان يرافقه في هذه الرحلات شريكه المخلص هيرميس إله الرسول الذكي والمسلي كما ورد في حكاية أوفيد الأخلاقية، وفي هذه المناسبة أراد زيوس أن يرى مدى كرم شعب فريجيا لذلك تنكر هو وهيرمس في هيئة مسافرين فقراء وسافروا إلى الأرض وطرقوا باب أي مسكن واجهوه سواء كان غنيًا أم فقيرًا كبيرًا أم صغيرًا.
لقد تم إبعادهم بشكل غير رسمي في كل مكان ولن يتنازل أحد حتى للتحدث إلى هذه النفوس المتربة والجائعة، فقيل لهم: “اغربوا عن وجهي أيها المتشردون!” مرارًا وتكرارًا، حيث كانت الأبواب تغلق بوقاحة في وجوه الآلهة، ومن الواضح أنّ سكان فريجيا لم يكونوا مهذبين للغاية وبالتأكيد لم يكن لديهم وقت للغرباء القذرين!
الآن يجب أن تفهم أن زيوس كان وصيًا للمسافرين وأن كل أولئك الذين لجأوا إلى أرض غريبة كانوا تحت حمايته الخاصة، وكان كرم الضيافة في ذهنه أمرًا بالغ الأهمية ولم يعجب زيوس بما رآه حتى الآن في هذه الأرض الوقحة من فريجيا، وتم طرد هيرميس وزيوس من مئات المنازل وبدأوا أخيرًا يتعبون من السلوك السيئ للسكان الأصليين، وازداد غضب ملك الأولمبيين في تلك اللحظة وقرر معاقبة هؤلاء الفريجيين البغيضين.
زيارة زيوس لباوسيس وفليمون
بعد ذلك قرروا إنهاء رحلتهم وعثرت الآلهة على كوخ صغير متواضع أفقر من أي كوخ رأوه من قبل بسقف مصنوع فقط من القش والقصب، وعند طرق الباب فوجئوا برؤيته يتأرجح على نطاق واسع وسماع صوت يحثهم على الدخول بمرح، فانحنى زيوس وهيرميس منخفضًا للمرور عبر المدخل الصغير -ولكن لا يزال من غير الممكن التعرف عليهما في تنكرهما- ثم وجدا نفسيهما في غرفة صغيرة ولكنها مريحة ونظيفة للغاية، ولقد بذل أصحاب هذا المسكن الفقير قصارى جهدهم بما لديهم من القليل وكان هذا واضحًا.
في الضوء الخافت رأوا رجلاً عجوزًا لطيف الوجه وامرأة في نفس العمر بدوا سعداء بصدق لرؤيتهم وصخبوا حول الغرفة في محاولة لجعل ضيوفهم أكثر راحة، وعندما ألقت المرأة العجوز بغطاء ناعم على المقعد وطلبت منهم إراحة أطرافهم المتعبة، وأشعل الرجل العجوز النار حتى يتمكنوا من تدفئة عظامهم الباردة، وأخبروا الآلهة أنّ المرأة كانت تسمى باوسيس وكان زوجها فليمون، وكان هذا المنزل الريفي المتواضع دائمًا منزلهم وقد عاشوا هناك بسعادة طوال فترة زواجهم، وعلى الرغم من أنّهم كانوا فقراء إلّا أنّهم يفتقرون إلى لا شيء لأنّ حبهم لبعضهم البعض جعلهم يشبعونهم بنوع من الرضا الذي يجعل الملك يحسدهم.
الأمر الذي قال الاثنان فيه باوسيس وفليمون بابتسامة لزيوس أنّه: “ليس لدينا الكثير لنقدمه لك ولكن الفقر ليس سيئًا للغاية عندما تكون روحك غنية وممتلئة بالحب!”، وهم يحدقون باعتزاز في بعضهم البعض ويعتذرون لزوارهم غير المتوقعين لأنّهم لم يكن لديهم سوى القليل من المرطبات، وتبادل زيوس وهيرميس نظرات مدروسة حيث كان هذا زوجًا نادرًا من البشر وربما لم يكن كل الفريجيين مضيفين وقحين.
في ذلك الوقت اقتحم فليمون مؤنته الهزيلة وأخرج بعض الزيتون والبيض والفجل، في حين كانت باوسيس تغلي قدرًا من الماء وأسرعت إلى حديقتهم المتواضعة ودخلت ومعها ملفوف طازج، ثم ألقت بها في الغلاية جنبًا إلى جنب مع آخر قطعة لحم خنزير مدخن معلقة من عوارض الكوخ، بينما أعدت باوسيس الطاولة للمتشردين، وكانت إحدى أرجل الطاولة أقصر من الأرجل الأخرى لذا كان على باوسيس أن تدعمها بقطعة من الطبق المكسور.
عقاب زيوس وهيرميس لشعب فريجيا
بمجرد أن أصبح العيد جاهزًا رفع فليمون كرسيين قديمين ودعا الضيوف لملء بطونهم، وكان لديه القليل من النبيذ (مثل الخل وكان حامضًا جدًا) محفوظًا لمناسبة خاصة وأخرجه على الفور، وقام فليمون بتخفيفها حتى تدوم لفترة أطول قليلاً، وكان الزوجان العجوزان مسروران لرؤية الزائرين في وقت متأخر من الليل يستمتعون بالطعام وأبقى فليمون يقظًا على أكوابهم وأعاد ملئها عندما يفرغون، ولكن بعد فترة لاحظوا حدوث شيء معجزة: بغض النظر عن عدد الأكواب التي كان فليمون يسكبها ظل إبريق الخمر ممتلئًا إلى أعلى، وبعد فترة طويلة من تناول النبيذ كان الإبريق لا يزال ممتلئًا.
نظر كل من باوسيس وفليمون في حالة من الرعب إلى بعضهما البعض وأحنوا رؤوسهم في صلاة صامتة للآلهة الأولمبية عاليًا، وفجأة اشتبهوا في أنّ هذين الغريبين الصقريين كانا أكثر من مجرد متسولين، وبأصوات مرتجفة اعتذروا مرة أخرى لعدم وجود الكثير ليقدمه كمضيفين، ثم قال فليمون إنّ لديهم أوزة (أكثر من حيوان أليف لهم والحق يقال) وأنّهم سيطبخون بكل سرور ويقدمونها لضيوفهم.
لذا قيل لقد قاموا بالتجول في الغرفة الصغيرة اثنان من البشر المسنين في محاولة يائسة للإمساك بأوزتهم الذين لم يرغبوا في فعل ذلك، وحول المائدة وحولها طاردوا الأوزة كثيرًا لتسلية وترفيه زيوس وهيرميس، وأخيرًا لجأ الطائر المصاب بالذعر إلى حضن الآلهة حيث انهار كل من باوسيس وفليمون منهكين ويلهثان، وكان الوقت مناسبًا، وكشف زيوس وهيرميس المتنكرين عن هويتهم الحقيقية لمضيفيهم الكرام وأخبرهم أنّهم كانوا يستمتعون بلطف بآلهة الألعاب الأولمبية، وأثنوا على بوسيس وفليمون على كرم ضيافتهما وأبلغوهما أنّهما مختلفان عن بقية أبناء وطنهما.
قالوا للزوجين المرتجفين: “سوف نعاقب بشدة هذه الأرض الشريرة إلى جانب السكان السيئين، فلقد نسى هؤلاء البشر أنّ أقدر عمل هو تقديم الضيافة للغرباء الفقراء وسيدفعون ثمن غطرستهم”، وأكد زيوس لباوسيس وفليمون أنّ غضبه لن يشملهم لأنّهم أثبتوا أنّهم طيبون ويعطون مضيفين، وقال لهم أن يخطووا خارج كوخهم وأن ينظروا حولهم، ولقد اندهشوا لرؤية المياه فقط حيث كانت هناك أرض خصبة ومباني ضخمة، وكانت هناك بحيرة ضخمة قد ابتلعت الريف بأكمله والناس والجميع ولم يصمد سوى الكرفس المتواضع الخاص بهم.
مكافأة زيوس وهيرميس للزوجان المضيافان
على الرغم من أنّ جيرانهم القساة كانوا لئيمين للغاية معهم إلّا أنّ الزوجين اللطيفين يبكيان بالدموع الحزينة نيابة عنهما، ولكن بعد فترة وجيزة ظهرت معجزة أخرى وجفت دموعهم حيث كان كوخهم المتواضع يقف الآن بشكل مهيب في معبد فخم حيث تدعم أعمدته الرخامية البيضاء سقفًا من الذهب الخالص فبدا كأنّه من عجائب الدنيا!
فقال زيوس “هذا هو منزلك الجديد، والآن قم بتسمية أي شيء تريده وسأكون سعيدًا لأمنحك أمنيتك”، وهمس باوسيس وفليمون فيما بينهما لفترة وجيزة ثم أحنوا رؤوسهم لملك الأولمبيين وقالوا بأصوات خافتة إنّ رغبتهم هي أن يخدموا ككهنة له ويعيشون ويحرسون معبده حتى النهاية، والشيء الآخر الوحيد الذي سألوه عن زيوس هو أنّه لا يجب عليهم العيش بمفردهم بل سيموتون معًا.
كان حبهم عظيمًا وكان زيوس سعيدًا بموافقة طلبهم ولسنوات عديدة عاش الزوجان في المعبد الكبير فخدما زيوس بأمانة وكبروا معًا واعتزوا بكل لحظة في حياتهم، وذات يوم وكلاهما في سن الشيخوخة وقفوا خارج منزلهم المهيب وبدأوا يتذكرون أيامهم السابقة وعندما كانت الأمور صعبة للغاية، وكانوا يعلمون أنّهم كانوا سعداء في ذلك الوقت وسط القذارة كما هم الآن محاطين بالرفاهية وبنفس القدر في الحب!
فاضت الذكريات منهم واستمتعوا بكمال حياتهم، وفجأة لاحظ فليمون وباوسيس شيئًا غريبًا حيث بدأت الأغصان تنمو من رؤوسهم وشعرهم يتحول إلى أوراق، ومع أنفاسهم الأخيرة ينادون وداعهم لبعضهم البعض: “وداع أيها الرفيق العزيز!”، وبعد لحظة أصبحا شجرتان من البلوط والزيزفون تقفان حيث كان الزوجان العجوزان، وكما هو الحال في الحياة فإن الاثنين مرتبطان معًا ونشأوا من نفس الجذع وتتشابك أغصانهما في الأبدية ما زالوا معًا إلى الأبد، ولقد منح زيوس أمنيتهم وجاء الناس من بعيد ليتعجبوا من هذه الشجرة الرائعة ويعلقوا أكاليل الزهور على أغصانها.